افتتاحية قاسيون 930: حماية الليرة حمايةٌ للشعب
يرتفع سعر صرف الدولار في السوق السوداء بشكل تدريجي ومستمر منذ عام تقريباً، ولكنه خلال الأسابيع الماضية قد ارتفع بوتائر ثابتة ويومية على وقع الجمود الاقتصادي الذي تعاني منه البلاد، والتناقضات التي تتفاعل وتطفو على السطح في بنية الفساد السوري الكبير.
إن ارتفاع الدولار هو مؤشر يُكثّف الكثير من الأمور، فاقتصاد البلاد ممثلاً بليرتها ينحدر بوتائر ثابتة، ويزداد طلب كبار حائزي الليرة على الدولار، العملة الدولية المعتمدة لدى الأطراف التي تفرض عقوباتها على السوريين. وفي ظل كل هذا صمت مطبق في الأوساط الرسمية والحكومية، وترك الليرة لمصير تفاعل قوى: الفساد والمضاربة.
إن لحماية الليرة آليات عديدة، ولا يجب أن تتعدى الآجال قصيرة ومتوسطة الأجل. وفي صلب هذه الآليات، تحجيم الطلب على الدولار لحد إيقاف التعامل به ليس فقط في التداولات، بل في التجارة الخارجية للمواد الأساسية التي يجب أن تشكل معظم الاستيراد السوري في اللحظات الحالية.
إن تحجيم الطلب على الدولار يتطلب أولاً: منع تهريب الأموال للخارج، العملية التي لها قنوات شرعية عبر المنظومة المالية والمصرفية، وغير شرعية عبر طرق أخرى. وثانياً: بإنهاء ثقل التجارة الخارجية والاستيراد تحديداً، الذي يغذّي الطلب على الدولار، ويعتمد على نفوذ كبار قوى السوق، وعلاقاتهم الاقتصادية وحساباتهم الخارجية، بل ويعتمد على تمويل جهاز الدولة لهم بالقطع الأجنبي منخفض الثمن، الأمر الذي يتيح هامش مضاربة وربح من سعر الدولار المرتفع في السوق السوداء.
إن تلبية الطلب الخارجي باستخدام العملات الأخرى، مسألة ملحّة لأي بلد يخضع لعقوبات. إذ كان من الضروري منذ البداية، فتح حسابات رسمية بعملات الدول الصديقة والمستعدة لتجاوز العقوبات، وإدارة التجارة الخارجية عبر جهاز الدولة وباتفاقات رسمية معلنة دون وسطاء، وهو إجراء لم يتم السير نحوه بسبب المنع والإعاقة التي فرضتها مصالح منظومة الفساد الكبير، التي اتخذت التجارة والمضاربة واحداً من أهم مصادر ربحها في الأزمة، وأدارت السياسة الاقتصادية والنقدية طوال سنوات الأزمة على الأقل بالطريقة التي تُفقد الليرة كل عناصر قوتها، وتعزز موقع الدولار.
لا يمكن تجاوز العقوبات وآثارها، طالما أن بنية الفساد المركزية تعتاش من تحميل عموم السوريين أوزار العقوبات الأمريكية، ومن خسارة الليرة وربح الدولار. ولا يمكن تجاوز العقوبات والأزمة الاقتصادية وما يترتب عليها من فوضى وعدم استقرار سياسي، إلا بسياسات على النقيض من مصالح الفساد الكبير... الذي كان وما زال يمارس إرهاباً اقتصادياً يؤسس باستمراره لمستوى جديد من الفوضى والخطر على البلاد.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 930