قواعد الاشتباك... ليست عسكرية فقط!
يزن بوظو يزن بوظو

قواعد الاشتباك... ليست عسكرية فقط!

لا يمكن القول إنّ العدوّ الصهيوني لم يكن قد وضع في حسابه احتمالات رد المقاومة على اعتداءاته في الأسابيع الماضية، ولكن رغم ذلك فإنّ جملة التداعيات التي حدثت بعد الرد تشير إلى أنّ حسابات العدو تدور في فلك ما يبدو أنه «نقلات إجبارية» على رقعة الصراع...

كنا أشرنا في مقال سابق، أنّ الهدف الأساس للاعتداءات الصهيونية خلال أسبوع واحد على كل من العراق وسورية ولبنان، إنما كان محاولة للتعويض عن الخسائر بالجملة التي تلقتها واشنطن خلال حرب الناقلات، وقبلها طائرتها المسيرة، وبعدها وصولاً إلى السعي المحموم نحو الحوار مع إيران، والذي ظهر بشكل واضح على لسان بومبيو وزير الخارجية الأمريكي.
عملية المقاومة جاءت مدوّية رغم التصريحات السابقة من حزب الله بالردّ، ومُحاولة أطراف داخلية وخارجية ثني المقاومة عن أيّ عمل ضد العدوّ، لتدخل مجموعة الشهيدين حسن زبيب وياسر ضاهر إلى الأراضي المحتلة وتضرب قوات العدوّ وتدمّر عربة لهم من خلفهم بعد محاصرتهم، بمعنى أن الجنود الصهاينة قد كانوا عالقين بين مجموعة المقاومة والحدود اللبنانية عندما نُفذت العملية... وفضلاً عن ذلك فإن ما تم تناقله ضمن وسائل الإعلام عن حرائق بمارون الراس بسبب قذائف أطلقها جيش العدوّ، هي في الحقيقة حرائق أصابت أحراشاً في الجانب المحتل نفسه، خلال محاولات العدو القضاء على المجموعة المهاجمة بعد الضربة، والتي تمكنت من العودة سالمة.

محاولات بائسة لطمس الحقائق

بطبيعة الحال، نفت قوات الاحتلال وحكومتها وجود أية أضرار أو خسائر مادية وبشرية من العملية، إلى أن أصدرت المقاومة مقطع فيديو يوثق استهدافها للآلية العسكرية، لتتغير بعد ذلك تصريحات حكومة الاحتلال نحو الاعتراف بوجود خسائر مادية فقط، مُنكرين وجود قتلى وجرحى في صفوفهم، في محاولة منهم ليس للتقليل من حجم ووزن العملية وتأثيراتها فحسب، بل وأهم من ذلك تمهيد الطريق لابتلاع السكين، لوقف التصعيد عند الحد الذي وصل إليه.

إما هيستيريا أو هربٌ من حرب

تلا العملية اشتباك على الحدود اللبنانية بين حزب الله وقوات العدو حيث تبادل الطرفان قذائف مدفعية، ابتدأها جيش العدوّ كمسرحية ردٍّ على ردّ المقاومة، ليعلنوا إطلاقهم قرابة 40 قذيفة ثم ليعلنوا لاحقاً أنها 100 قذيفة، نحو الأراضي اللبنانية بينها قذائف حارقة، إلّا أن أياً منها لم يصب هدفاً بعينه، وجميعها جاءت في حقول فارغة، فإمّا هي نتيجة «هيستيريا» أصابت قوات العدوّ، أو أنها عرضٌ هزلي في محاولة لحفظ ماء وجههم بعد الصفعة التي تلقوها من المقاومة، مُرسلين بذلك رسالة فحواها «لا نريد تصعيداً وحرباً».

هل انتهى الموضوع؟


تدل المؤشرات المختلفة، أنّ هنالك رغبة عامة في وقف الأمور عند الحد الذي وصلت إليه حالياً بالمعنى العسكري، وهو ما جرت صياغته بالقول بـ«تثبيت قواعد الاشتباك».
في خلفية التصور الداعم لهذه الفكرة من الجانب المضاد للصهاينة، أنّ الوقت هو العدو الأكبر حالياً لواشنطن نفسها، وللكيان كنتيجة طبيعية؛ فحجم التراجع الأمريكي وتسارعه الكبير، يسمح بالركون جزئياً إلى المعادلة القائلة إنّ تثبيت قواعد الاشتباك بمعنى تكبيل قدرة الاحتلال على مد أذرعه في لبنان، وإبقاءها ضمن الحدود التي رست بعد 2006، ستسمح بخنق العدو تدريجياً، عدا عن أنّ احتمال الحرب العسكرية المباشرة إن حدثت هو احتمال غير معروف المآلات بما يكفي من الدقة؛ لجهة من هي القوى التي ستشترك ضمنه، وإلى أي مدى ستتسع تلك الحرب.

الحرب شاملة


نعتقد أنّ الركون للمعادلة السابقة، ورغم ما تبدو عليه من منطقية، يكتنفه خطر كبير؛ فالعدو لا يستخدم ضد لبنان ومنطقتنا عموماً الأداة العسكرية فحسب، بل لعل هذه الأداة باتت الأقل قدرة بين أدواته المتعددة.
في الوضع الداخلي اللبناني، يجري استخدام العقوبات الاقتصادية بشكل فعال، وتأتي هذه الفعالية من طبيعة البنية الحاكمة في لبنان، والتي تصطف علناً إلى جانب الناهبين في وجه الشعب اللبناني بأسره، وتمضي بشكل متسارع، بالتوازي مع العقوبات، في خططها التقشفية المتضمنة مزيداً من الخصخصة، ومزيداً من الضرائب على عامة الناس دون أصحاب الثروات، بل ووصولاً إلى التعدي المباشر على القيمة المطلقة للأجور في بعض القطاعات، ناهيك عن التعدي على الصناديق الاجتماعية المختلفة.
إنّ التفاقم المتسارع لسوء الوضع المعاشي للناس في لبنان، مع الغياب الواضح لأية إرادة تغييرية ضمن الفرقاء المسيطرين على الحكم، لا يهدد المقاومة فحسب، بل ولبنان بأسره، ولذا فإنّ تثبيت قواعد الاشتباك (العسكري)، على أهميته الكبرى، لن يلعب في الصالح اللبناني إذا تم الاستسلام لقواعد الاشتباك (الاقتصادي- السياسي) التي يفرضها العدو..

معلومات إضافية

العدد رقم:
930
آخر تعديل على الثلاثاء, 10 أيلول/سبتمبر 2019 15:15