فساد الأخلاق.. أم أخلاق الفساد؟!
ساد في تحليلات الأزمة السورية، اعتبار أن أزمة الأخلاق هي في صلب مسببات الأزمة! فأخلاق الناس الفاسدة مساهمة في ما استعّر من عنف وفوضى... ولكن ما هو مصدر هذه الأخلاق؟ ولماذا يختلف «الأداء الأخلاقي» إن صح القول بين زمنٍ وآخر؟
تنطلق الإجابة عن هذا السؤال من فكرة أساسية مفادها: أنه وفي ظلّ السيطرة السياسية والاقتصادية للنخب المالية الحاكمة، فإنّ مجمل ما ينتج عن هذه المنظومة من أخلاق وأفكار ينعكس في علاقات البشر اليومية وفي مجالات تواصلهم العملي، ويتم ذلك عبر مجموعة الأدوات التي تمتلكها هذه الطبقات الاجتماعية المسيطرة، من وسائل إعلام إلى مراكز ثقافية ومسارح وغيرها من المؤسسات التي تستطيع لعب دور المؤثر الاجتماعي في وعي وأخلاق الناس. «فالأخلاق السائدة هي أخلاق الطبقة السائدة» ويقصد هنا السائدة بمعنى المسيطرة اقتصادياً والمتحكمة بنمط الإنتاج، وبالتالي بنمط المعيشة ومستواها.
سنرصد فيما يلي عدداً من الظواهر الاجتماعية التي تتجلّى في الواقع السوري، والتي ستعطينا فكرة عن كيفية انعكاس الوضع الاقتصادي على البنية الفوقية بما تتضمنه من مجموعة أفكار وأخلاق ووعي اجتماعي عامّ.
«حلال عالشاطر»
لا عجب أنك تسمع هذه العبارة كثيراً في هذه الأيام، فتحت وطأة المعاناة اليومية التي يعيشها السوريون فيما يخصّ وضعهم المعيشي بما يتضمنه من صحة وتعليم وغذاء وإلخ، يصبح «الشاطر» هو من يستطيع التحايل على هذا الوضع وتأمين نفسه وعائلته قدر المستطاع، حتّى ولو تطلّب ذلك اللجوء إلى أفعال كانت حتى وقت قريب منبوذة اجتماعياً، كالرشوة مثلاً والتعفيش، واللجوء إلى قوة السلاح، وغيرها من الأفعال...
الفردية والأنانية
تعزّز الكثير من البرامج التلفزيونية في طروحاتها موضوعة الفردية، وتركّز على دور الفرد وحده كفرد في تحقيق ذاته مهما كانت ظروفه، في محاولة لتعزيز الأنانية والبحث عن المصلحة الشخصية وحسب، وإعطاء الناس إبر تخدير ووهم بإمكانية تحدّي الظروف والتحوّل إلى «سوبرمانات» قادرة على الوصول إلى ما تريده، ليس ذلك انتقاصاً من القدرات الفردية للأشخاص، ولكن في ظلّ عمليات النهب والفساد التي طالت كلّ مجالات الحياة، وفي ظلّ مستويات المعيشة المتدنية تصبح فكرة تحقيق الذات فكرةً بعيدة المنال للكثير من الفقراء المهمّشين الذين يشكّلون الغالبية العظمى من الشعب السوريّ، والذين بات سقف طموحهم هو تأمين الحد الأدنى من المعيشة.
أغانٍ هابطة، ودراما خاوية
دائماً ما كانت تترافق النكسات السياسية- الاقتصادية بتراجعٍ عام على مستوى الفن بكافة مجالاته (أغانٍ، سينما، دراما... إلخ) وهذا ما درج مؤخراً في تصوير بعض المسلسلات أحوال الطبقة المخملية ونمط حياتهم وأخلاقهم، فليس مستغرباً مثلاً أن تجد الكثير من حالات الخيانة ضمن هذه المسلسلات، والكثير من حالات الحب المبتذل، والكثير من تشويه الحقائق والتاريخ، وقد لعب ذلك دوراً كبيراً في تسليع القيم الإنسانية والأخلاقية وجعل الوعي الاجتماعي موّجهاً نحو الأمور التافهة والسطحية.
يقول الباحث نعوم تشومسكي في الإستراتيجيات العشر لإلهاء الشعوب عبر وسائل الإعلام: «حافظوا على تحويل انتباه الرأي العام بعيداً عن المشاكل الاجتماعية الحقيقية وألهوه بمسائل تافهة لا أهمية لها. أبقُوا الجمهور مشغولاً، مشغولاً، مشغولاً دون أن يكون لديه أي وقت للتفكير، فقط عليه العودة إلى المزرعة مع غيره من الحيوانات الأخرى«.
ونظراً للضغط الذي يتعرض له الناس في حياتهم اليومية، فإنّ أي شكل من هذه الأشكال الفارغة بالمحتوى، يصبح مستساغاً بصفته متنفّساً من هذه الضغوط، مما يساعد في تسريع انتشارها.
ولكن... هل الأخلاق ثابتة؟
تكمن الضرورة في البحث عن مصدر الأخلاق بكونه السبيل الوحيد لإيجاد تفسيرات حقيقية وموضوعية للظواهر الاجتماعية آنفة الذكر، فالتفسير الصحيح يقودنا إلى التغيّير الصحيح.
وعلى اعتبار أن المنظومة الاقتصادية تنتج منظومة الأخلاق والأفكار المناسبة لاستمرارها كمنظومة، فإنّ تغيّر هذه المنظومة والتي تشكّل البنية التحتية سيؤدي إلى تغيّر البنية الفوقية حتماً. لذلك فأخلاقنا ليست ثابتة، فهي كما كل شيء في الحياة، متحركة وقابلة للتغير وفقاً لما يسمح به تطور الظرف الموضوعي
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 906