أفكار واستنتاجات أولية حول تغريدة ترامب عن الجولان
سعد صائب سعد صائب

أفكار واستنتاجات أولية حول تغريدة ترامب عن الجولان

رغم أنّ تغريدة ترامب التي قال فيها: إن الوقت حان لاعتراف الولايات المتحدة بالسيادة الكاملة «للكيان الصهيوني» على الجولان السوري المحتل، لم تكن مفاجئة تماماً، لأنّ اعترافاً من هذا النوع كان يجري التحضير له إعلامياً وبشكل مكثف طوال أشهر، لكنها الآن باتت «تغريدة رسمية»، ولم تعد في إطار التكهنات، ولذا ينبغي الوقوف على معانيها من ناحيتين على الأقل: ما الدافع لها، أو ما الغرض منها؟ ومن ثم ما الذي سيترتب عليها؟

أولاً: تحييد الأسباب الخلبية

أول ما ينبغي تحييده هو الأغراض والأسباب الوهمية والثانوية، والتي يحلو للإعلام ولكثير من المحللين تقديمها بوصفها الأسباب العميقة، إما لأنّ تصوراتهم لا ترى أبعد من أنوفهم، أو لأنهم يريدون التعمية عن الأسباب الحقيقية ومعانيها، وهذه الثانية هي الأخطر.
على رأس التحليلات الخلبية، تلك المتعلقة بالانتخابات ضمن الكيان، وبأن قرار ترامب جاء خدمة لنتنياهو الذي يواجه جملة اتهامات بالفساد وتراجعاً في حجم مؤيديه... وهذا النوع من التحليلات يأتي ضمن المدرسة نفسها التي تحلل السياسات الأمريكية لمدة سنة كاملة قبل كل الانتخابات الرئاسية وسنة أخرى بعدها استناداً لتلك الانتخابات التي تجري كل 4 سنوات مرة، وبينهما هنالك انتخابات أخرى للكونغرس وضمن الولايات وإلخ، بحيث تستولي الخديعة الديمقراطية على الأذهان بشكل كامل، ويتلطى وراءها الحكام الفعليون الذين يستمرون في رسم سياسات إستراتيجية وتنفيذها عبر الإدارات المختلفة.
ولكن هل هذا يعني أنّ كل شأن سياسي أو فعل سياسي في الولايات المتحدة وغيرها لا يتعلق نهائياً بالانتخابات؟ لا نقصد ذلك، هنالك علاقة ما بينهما، علاقة غير أساسية، ربما تكون العلاقة بين تشريعات وقوانين تتعلق بالإجهاض والمثلية الجنسية والبيئة وما شابهها، أكثر ارتباطاً بنتائج الانتخابات الداخلية في بلد من طراز الولايات المتحدة بل وعديد من «الدول الديمقراطية»، لأن عملية تسطيح وعي الناخبين عبر الـ «Mass Media» قد بلغت عبر عقود شأناً عظيماً...
كل ما نريد قوله مما سبق، هو: إنّ التوجه الأمريكي نحو قرار بهذا الحجم لا يمكن تفسيره إطلاقاً على مستوى «تكتيكات انتخابية»، بل هو قرار مراكز القرار العميقة الذي يمكن له أن يكون تكتيكاً أيضاً لكن ضمن إستراتيجية أكبر بكثير من مسألة انتخابات، إستراتيجية عابرة للإدارات.

ثانياً: أفكار واستنتاجات أولية

إنّ العزلة التي تضع الولايات المتحدة نفسها فيها على المستوى الدولي للمرة الثانية على الأقل بشكل فاقع، بعد القدس، كانت في الجولان. وفي الحالتين يتعلق الموضوع بالصراع حول الشرق الأوسط، الذي باتت الأوراق الأمريكية فيه أقل من أي وقت مضى.
إنّ الغرض العام الأساسي من كل السلوك الأمريكي تجاه سورية، وتجاه المنطقة، هو إبقاء الصراع مستمراً، ومحاولة دفعه وتصعيده نحو عتبات جديدة باستمرار، لأنّ نهاية الصراع والذهاب نحو الاستقرار يعني تظهير الأوزان الفعلية، الاقتصادية أولاً والسياسية تالياً، على المستوى الدولي، ويعني كمحصلة خروج الولايات المتحدة ليس من الشرق الأوسط فحسب، بل خروج العالم بأسره، لمرة وإلى الأبد من عالم الأحادية القطبية.
المهمة التي تمركزت عليها الولايات المتحدة طوال سنة مضت، وخاصة مهرجها جيمس جيفري، كانت محاولة ضرب ثلاثي أستانا بعضه بعضٍ، لأنّ كل تقارب إضافي بين أطراف هذا الثلاثي يعني تضييقاً إضافياً لمساحات لعب واشنطن وتخريبها، والانتقال إلى إعلان خطوة من هذا النوع يبدو جنوناً على الأقل من وجهة النظر التالية: هذه الخطوة لقيت، ولم يكن متوقعاً غير ذلك، رفضاً حاداً من أطراف أستانا الثلاثة، وقدمت لهم عنصر التقاء وتقارب إضافي. فكيف يمكن تفسير هذا «الجنون»؟ الموضوع ببساطة هو: أن واشنطن قد وصلت إلى قناعة نهائية أن «القطار قد فاتها» في محاولات ضرب ثلاثي أستانا، ولذا بات من الضروري الانتقال نحو مواجهة مفتوحة مع هذا الثلاثي، سواء من موقع المحارب، أو من موقع المفاوض، ولكن ذلك يحتاج إلى مقاربات أكثر عمقاً...
طوال سنوات مضت، لعبت الولايات المتحدة دوراً مزدوجاً في المسألة السورية ومن قبلها الفلسطينية وحتى الآن: فمن حيث الادعاء الرسمي فهي تلعب دور «وسيط» و«راع» دولي للسلام ولحل الأزمات، ومن حيث الممارسة العملية، فهي منحازة وتخوض حرباً دولية من خلال القضايا التي تّدعي رعايتها. ورغم وضوح هذه الازدواجية إلى أن «الادعاء الرسمي» كان أداة ضرورية لتشكيل تحالفات دولية حولها بما يخص هذه القضايا، سواء من خلال «التحالف الدولي في سورية» أو من خلال «التحالف قيد الإنشاء ومتعثر الإنشاء اللازم لتمرير صفقة القرن عبر ناتو عربي أو ما شابه». ولكن موقفي واشنطن بما يخص القدس وبما يخص الجولان وتجاوزها العلني للشرعية الدولية ولقرارات مجلس الأمن الدولي، يضع دورها كراعٍ على محكٍّ خطير، ويضع العالم بأسره في مواجهتها، وهذا يفتح الاحتمال لافتراض نظري يحتاج إلى مزيد من التمحيص، هو التالي: انتقال الولايات المتحدة من العمل بالمفرق إلى العمل بالجملة؛ أي: إنّ كل محاولات نسف الحلول السياسية من داخلها وعبر العملاء المختلفين وعبر الأدوات الدبلوماسية والعسكرية والاقتصادية أصبحت بلا أفق واضح مع تعزز المنظومة الإقليمية- الدولية الجديدة- أستانا. ولذا باتت ضرورية المقامرة بكل شيء على مبدأ هذا لنا وهذا لكم ولنتحارب أو نتفاوض... أي: هو اعتراف ضمني بأنه لم يعد بيد واشنطن لعب دور جدّي ضمن المسألة السورية بناء على إحداثيات 2254، ولذلك فهي ستتمركز على قاعدتها العسكرية- الكيان الصهيوني، وما بيده من أوراق على الأرض للقول: نعم أنتم انتصرتم في سورية، ولكن نصركم هذا ليس كاملاً ولن يكتمل دون التفاوض مع واشنطن.
في العمق أيضاً، إنّ إبقاء الجولان السوري محتلاً يعني عدم الوصول إلى حل جذري للأزمة السورية، وإبقاء عامل تفجير وتوتير داخلي وخارجي على نار حامية؛ الجولان محتلاً يعني استمرار الاستنزاف الاقتصادي الداخلي، ويعني استمرار شكل محدد لإدارة الدولة هو شكل إدارتها في ظروف حرب غير معلنة مستمرة، بما يعنيه ذلك من طابع عسكرتاري مستمر للدولة، بالتوازي مع فساد كبير متجذر يجعل من الوصول إلى أي استقرار جدي محض وهم.
الجزء الأكبر مما سبق هو: في إطار المقاربات الأولية، وليس قولاً فصلاً، ولكن المؤكد هو أنّ انتقال واشنطن إلى المخالفة العلنية للشرعية الدولية، يعني انسحابها من دور الراعي، ويعني فتح باب المواجهة والتوتير من موقع أكثر ضعفاً وعزلة، ويعني بالتأكيد أيضاً شكلاً من أشكال القنابل الدخانية الكثيفة التي تحاول بإلقائها تغطية تراجعها وانكفائها المستمر...

معلومات إضافية

العدد رقم:
906
آخر تعديل على الأربعاء, 27 آذار/مارس 2019 15:51