افتتاحية قاسيون 897: لا أمان قبل خروج الأمريكي!
عاد مصطلح «المنطقة الآمنة» إلى التداول مجدداً بعد أن اختفى لسنوات متتالية، عبر تصريحات مختلفة لترامب وأردوغان وجهات أخرى، والحديث يدور هذه المرة عن شمال شرق سورية، أو أجزاء منه.
أول ما ينبغي الوقوف عنده هو أنّ فهم الطرح الجديد ضمن الإحداثيات السابقة، إحداثيات ما قبل 4-5 سنوات، هو بالضرورة فهم خاطئ؛ أي أنّ الحديث عن منطقة آمنة أو عازلة أو أياً تكن تسميتها بمعنى منطقة «حظر جوي»، هو كلام عفى عليه الزمن ولا مكان له على خارطة الوقائع الجديدة، وذلك بالرغم من أنّ بعض الجهات لا تزال تحلم بسيناريو من هذا القبيل، وخاصة الجانب الأمريكي وطرف متحالف معه ضمن تركيا لا يزال مؤثراً وفاعلاً وإنْ لم يكن مقرراً.
ليس هؤلاء فحسب، بل هنالك بعض أطراف عربية إضافة إلى فرنسا، لا تزال تبحث عن موطئ قدم إقليمي في سورية عبر التساوق مع طرح «منطقة آمنة» مع محاولة تكييفه بما يخدم مصالحها، رغم أنّ وزن هؤلاء يكاد يهمل لصغره.
إذا تركنا جانباً أحلام وأوهام الجهات المختلفة، ووضعنا على طاولة البحث المتحولات الأساسية المؤثرة في المسألة سنجد أمامنا اللوحة التالية:
أولاً: الولايات المتحدة مضطرة للانسحاب من سورية، وفي آجال غير بعيدة، تحت ضغط أزماتها المتعددة من جهة، ولأنها ببساطة تضع أقدامها ضمن بيئة مليئة بالأعداء، مليئة إلى الحد الذي لن تعرف معه من أين سيأتيها (الكف)، وهو آتٍ لا محالة.
ثانياً: في محاولتها تكييف الانسحاب، تحاول تمديد وجودها قدر الإمكان لضمان شكل انسحاب يخلف وراءه صراعاً حاداً بين ثلاثي أستانا وبين مكونات المنطقة بأسرها، ولذا تراها تصعد وتوتر الأجواء وتعرض من تحت الطاولة جملة من الخطط والسيناريوهات المتناقضة؛ خطة لكل طرف.
ثالثاً: بين أهم الفوالق التي تعمل واشنطن عليها، ذلك الفالق بين الكرد والأتراك، ليس كجهتين سياسيتين بل كقوميتين؛ فهي تسعى إلى ترجيح كفة المتطرفين ضمن تركيا الراغبين بسيطرة طويلة الأمد على مساحات من الأرض السورية، وبالتزامن مع ذلك تحاول ترجيح كفة محددة على الجانب الكردي تتمسك بطروحات يمكن أن تشم منها رائحة انفصال أو سعي باتجاه فيدرالية.
إنّ حل المسألة يمر عبر طريق واحد يضمن للكرد السوريين حقوقهم، ويحميهم من أي احتمال لاجتياح تركي، ويحمي الأتراك كشعب من التلاعب الأمريكي ومن الطروحات الانفصالية، ويحمي السوريين ووحدة أرضهم ودولتهم وسيادتهم عليها...
بهذا المعنى فقط يمكن أن تكون المنطقة آمنة حقاً، وذلك عبر جملة من التفاهمات، أساسها هو وجود الجيش السوري على طول الحدود السورية التركية، بالتوازي مع إشراك المكونات السياسية لشرق الفرات إشراكاً جدياً في العملية السياسية السورية على أساس القرار 2254، بدءاً بالمدخل الدستوري، بما يحفظ كرامات الناس، وبما يضمن حل الجزء المتعلق بسورية من القضية الكردية حلاً عادلاً.
إنّ إمكانية نزع الألغام الأمريكية هي إمكانية عالية جداً، وصراطها التوافق بين ثلاثي أستانا من جهة، وتحمل السوريين لمسؤولياتهم الوطنية من جهة أخرى، وأياً يكن الشكل التفصيلي للتفاهم الذي لن يطول الوقت للوصول إليه، فإنّ المؤكد أنّ أمان الشمال الشرقي السوري، كما أمان أي منطقة في سورية، لن يتحقق بشكل فعلي قبل خروج الأمريكيين منها...