عن أية «منطقة آمنة» يجري الحديث؟
لم تبق جهة محلية أو إقليمية أو دولية، إلا وأدلت بدلوها وبتفسيرها ومقاربتها حول ما يثار من حديث عن «منطقة آمنة» أو «عازلة»، شمال شرق سورية، والتي يقال: إنها تمتد على طول 470 كم من منبج حتى المالكية، وبعمق يتراوح بين 5 و32 كم.
لوضع الأمور في نصابها، ينبغي أن نتذكر بداية، أنّ أية خطوة جدية نحو التهدئة العسكرية وحلحلة الأمور على الأرض السورية، وكل خطوة جدية، لم تجر بأيدٍ أمريكية، ولا بأيدي تحالفها الدولي، ولا جرت عبر الأمم المتحدة، وإنما جرت جميعها ضمن مسار أستانا وبرعاية ثلاثي أستانا، وعلى رأسه الطرف الروسي، وإنْ كانت هنالك من حظوظ لتنفيذ أي اتفاق أو تفاهم جديد على الأرض، أياً تكن تسميته، فلن تكون إلّا عبر المسار نفسه، وفي ظل الضعف الأمريكي المزمن فإنّ ثبات هذا المسار وقدرته دون غيره على تنفيذ التفاهمات لا تني تتعزز وتقوى.
وعليه فإنّ جملة التفسيرات والمقاربات التي يجري تقديمها والترويج لها عبر وسائل إعلام غربية وخليجية أو موالية للغرب، لا تساوي قيمة الورق الذي كتبت عليه، ولن يكون لها أي أمل في التحقق، لا كلياً ولا جزئياً.
إنّ المشكلة القائمة المتعلقة بشرق الفرات والتي ينبغي حلها تتلخص في مسألتين، الأولى: هي وجوب خروج الأمريكي بأسرع وقت، لأنّ وجوده عامل إعاقة وتفجير وتخريب مستمر يُضر بمصالح كل شعوب المنطقة، عرباً وكرداً وتركاً وفرساً، أما الثانية: فهي أنّ الأمريكي المضطر للخروج، يحاول إدارة خروجه بحيث يحدث وراءه اشتباكاً معقداً بين مختلف الأطراف المعنية، أي: ثلاثي أستانا ومكونات المنطقة، وأداته المزدوجة في هذه المسألة، هي: استفزاز القوميين الأتراك من جهة، والقوميين الأكراد من جهة أخرى، بتصوير الصراع بينهما صراعاً تناحرياً لا حل أمام أي منهما سوى بكسر الآخر وتحطيمه.
إنّ هذا الفتيل قابل للانتزاع، بل وواجب الانتزاع، وذلك عبر تفاهم عميق بين ثلاثي أستانا جوهره هو: أنّ الجيش السوري يجب أن يكون موجوداً على طول الحدود السورية- التركية، وأنّ القسم المتعلق بسورية من القضية الكردية يجب أن يحل حلاً عادلاً يمنحهم حقوقهم الكاملة ضمن إطار وحدة سورية أرضاً وشعباً، وعلى أساس القرار 2254 وعبر المدخل الدستوري لتنفيذه، وبما يضمن أيضاً تأريض النزعات التي توحي بالانفصال أو ما يشابهه.
بهذه الطريقة فقط، عبر أستانا، وعبر تفاهم السوريين فيما بينهم، وعبر تسريع البدء بتطبيق القرار 2254، يمكن الحديث عن أمان يشمل، لا منطقة بعينها فقط، بل سورية بأكملها، ولا ريب أنّ المدخل نحو ذلك كله هو تسريع خروج الأمريكي...