عودة سورية!
إنّ الانعطافة التي تقوم بها مجموعة من الدول العربية، تعكس في جوهرها العميق جملة من الحقائق الرئيسة، يمكن تلخيصها بما يلي.
أولاً: إنّ هذه الانعطافة تعبر تعبيراً واضحاً عن انتهاء عصر الإملاء والوصاية الغربية المعادية لسيادة الدول، ولحق الشعوب في تقرير مصيرها.
ثانياً: تؤكد هذه الانعطافة أنّ البلدان التي انزلقت نحو مواقف متطرفة ضد سورية، وبدفعٍ من حلفائها الغربيين، قد بدأت بتعلم الدرس التاريخي الأهم، وهو: أنّ حلفاءها يبحثون عن مصالحهم هم، لا مصالحها هي، ومستعدون للتخلي عنها في أية لحظة تختل فيها الموازين.
ثالثاً: إنّ العالم العربي الذي ستعود إليه سورية، لن يكون العالم نفسه الذي تم إقصاؤها عنه؛ فالمنظومات الإقليمية المختلفة، وعلى امتداد العالم، تعيش الآن حقبة تكيّف إجباري مع التوازن الدولي الجديد، فإمّا أن تتكيّف أو أنها ستتبخر.
رابعاً: إنّ الخطوة التالية التي ينبغي العمل عليها من الآن، هي رفع العقوبات الغربية على سورية.
أمام هذه الوقائع، يُتحفنا المتشددون في طرفي الأزمة السورية، وفي تطابقٍ تامٍ في محصلة مواقفهم كالعادة، بتصريحات وتعليقات متطرفة واستفزازية، سواء تلك التي تقول بـ «عدم جواز التطبيع مع نظام مجرم»، أو تلك القائلة بأن «عودة العلاقات مع من سفكوا الدم السوري ليست موضع ترحيب البتة»، ولسان حال المتشددين في الطرفين يقول: ينبغي أن يستمر الوضع الإقليمي المتأزم، وينبغي أن نحافظ على وضع سورية بعيدة عن المحيط العربي... وفي عمق المسألة، إنّ المتشددين لا يرحبون بأي تطور إيجابي من شأنه إضعاف السطوة الغربية والتركيبة السياسية- الاقتصادية التابعة التي كرسها الغرب ضمن الجامعة العربية وضمن الدول العربية؛ فواقع الأمور، وكما أشرنا أعلاه، هو: أن العالم العربي الذي ستعود إليه سورية ليس نفسه ذاك الذي تم إقصاؤها منه، وعودة سورية ستكون إشارة البدء الضرورية لتحول عميق سيشمل المنظومة بأكملها، جملة ومفرَّقاً..
إنّ الترحيب بعودة العلاقات بين دول عربية عديدة قاطعت سورية، بل وحاربتها، لا يعني البتة إغفال الحقوق أو التنازل عنها، بل هو السلوك الحكيم الذي ينبغي أن يُنتهج بغية تسريع إنهاء كارثة الشعب السوري، وبغية تحقيق ضربة إضافية للمعسكر الأمريكي- الصهيوني الذي «ارتاح» خلال السنوات الماضية التي تراجع فيها، أو غاب، الدور الإقليمي لسورية.
إنّ عودة العلاقات مع العالم العربي، ينبغي أن تفهم بوصفها خطوة باتجاه استعادة سورية، ليس لسيادتها فقط، بل ولدورها الإقليمي التاريخي المعادي للمنظومة الغربية- الصهيونية، وأولئك الذين يهاجمون هذه العودة عليهم أن ينتبهوا جيداً للمعاني والغايات وراء ما تقوله ألسنتهم!