وما زال الحل السياسي حلاً وحيداً!

وما زال الحل السياسي حلاً وحيداً!

بعد أن تم تعميم العنف في الميدان السوري، وأصبح صوت السلاح هو الأعلى، برزت ثلاثة خيارات لدى القوى السياسية السورية.


الخيار الأول: هو خيار الحسم، حيث بادر النظام إلى محاولة حسم المعركة عسكرياً، على اعتبار أن ما يجري هو مجرد مؤامرة يجب التصدي لها بكل الوسائل، وأن كل القوى المسلحة هي قوى إرهابية، يجب القضاء عليها، بأي ثمن كان، أما الخيار الثاني: فكان خيار «الإسقاط» حيث بادرت الجماعات المسلحة بمختلف تسمياتها إلى رفع السلاح، وسعت إلى إسقاط النظام بقوة السلاح. متوسلة من أجل ذلك القوى الدولية المعادية تاريخياً للشعب السوري بالتدخل، أما الخيار الثالث: فكان خيار الحوار والحل السياسي، استند من تبناه إلى فهم يتجاوز الخيارين الأول والثاني، مفاده: استحالة تحقيق الحسم والإسقاط بقوة السلاح، استناداً إلى توازن القوى الدولي والمحلي، ودعا إلى ضرورة اللجوء إلى الحل السياسي كحلٍ وحيدٍ للأزمة السورية.. ومع تقدم جماعة «الإسقاط» في الميدان في السنوات الأولى، توسعت دائرة العمل المسلح وبلغت الأراضي الخارجة عن سلطة الدولة ما يقارب ثلثي الخريطة السورية، ظنّ أصحاب هذا الخيار بأنهم باتوا قاب قوسين من تحقيق «حلمهم» في الإسقاط واستلام السلطة، في هذه الأثناء كانت قد ظهرت في مستنقع الأزمة السورية ظاهرة طارئة تجلت في بروز ظاهرة الإرهاب الداعشي، وتنامي دور الجماعات التكفيرية الأخرى، وازدياد التدخل الدولي، ليأخذ أكثر من مرة محاولات التدخل المباشر من قبل الولايات المتحدة وحلفائها، ودعم الجماعات المسلحة تمويلاً وتدريباً وتسليحاً معلناً ومستتراً الأمر الذي اصطدم بموقف صارم من روسيا وحلفائها، ليتطور موقف هذه الأخيرة إلى الدخول العسكري المباشر والمفاجئ في الميدان بطلب رسمي من الحكومة السورية، رغم أن الطرف الروسي كان على الدوام يصر على الحل السياسي.

العسكري في خدمة السياسي
لم يكن الدخول العسكري الروسي، مجرد اصطفاف عسكري، بدلالة أنه جمع مراراً بين العسكري والسياسي، من خلال الهدن والمصالحات التي جرت برعايته، والعمل وفق مناطق خفض التصعيد، بعد بيان موسكو الثلاثي بين روسيا وإيران وتركية، ومسار أستانا، حيث عملت روسيا على تحييد بعض الجماعات المسلحة، ونسقت مع البعض منها من خلال الهدن، وحاربت البعض الآخر بقوة السلاح، وتحديداً داعش والنصرة، باعتبارها جماعات موصوفة بالإرهاب حسب القرارات الدولية، هنا يمكن القول: بأن التقدم الذي حصل في تقلص مساحة العمل المسلح عموماً، هو نتاج عمل مركب، عسكري وسياسي، بل هو سياسي بالدرجة الأولى، والعسكري ملحق به ومكمل له، ليرتسم من خلال ذلك، الاتجاه العام لحل الأزمة، حيث تبيَّن بالملموس وجود جماعات مسلحة مستعدة لإلقاء السلاح في حال وجود ضامن، لا بل أن بعضها مستعد للانخراط في الحرب على الإرهاب، كما حدث مؤخراً في المنطقة الجنوبية.

لماذا الحل السياسي حل وحيد؟
بعد التقدم الذي حصل في كل من غوطة دمشق والمنطقة الجنوبية، يحاول البعض في وسائل الإعلام المحسوبة على الموالاة، إحياء فكرة الحسم العسكري، بدلالة ما حدث في الميدان.
الحل السياسي ليس مجرد رغبة لدى هذا الطرف أو ذاك، بل تعبيراً عن فهم عميق لموازين القوى، واستراتيجيات القوى الدولية، فيكفي واشنطن مثلاً استدامة حالة الاشتباك وتفاقم العمل المسلح، بعد أن باتت عاجزة عن حسم المعركة بطريقتها، ناهيك عن أن استدامة الاشتباك بحد ذاتها ستؤدي بالتدريج إلى خروج واشنطن بأقل الخسائر. وما حالة التناوب في رفع معنويات هذا الطرف أو ذاك بعد تحقيق انتصار عسكري جزئي هنا أو هناك ، إلّا تعبيرٌ عن استراتيجية استدامة الاشتباك الأمريكية، من الناحية الموضوعية على الأقل.
رغم مستوى وحجم التدخل الخارجي في الأزمة السورية، إلّا أن هذه الأزمة هي بالأصل أزمة داخلية، وإذا كان التدخل الخارجي قد فاقم المشكلة، إلّا أن الصراع البيني السوري، لايمكن له أن يتوقف نهائياً إلّا من خلال معالجة أسبابه، وبالدرجة الأساس آليات توزيع الثروة، التي جمعت ما يكفي من الحطب لإشعال الحريق السوري، وعليه لا يمكن الحديث عن حلٍ ناجزٍ إلا من خلال عملية التغيير الوطني الديمقراطي، وإذا كان التوازن الدولي الجديد قد لجم التدخل الخارجي المعادي وشل فعاليته بتفتيت سورية، فإن عدم استكمال العملية، أي: عدم حل التناقضات الداخلية التي تتكثف في موضوع «السلطة والثروة» سيؤدي إلى تغييب الحامل الداخلي لحلّ الأزمة، مما يسمح بإعادة إنتاجها، وعليه فإن كل التقدم العسكري في الميدان ضد  العمل المسلح، وعلى أهميته لا يكفي للخروج من الأزمة، وإذا كان شرطاً ضرورياً إلّا أنه شرط غير كافٍ بتاتاً، بل يجب أن يستكمل بالعودة إلى مسارات المفاوضات كآلية للحل السياسي.
ليس واقعياً ما يردده البعض مؤخراً بأن جميع الأطراف المشاركة في الازمة تقول أنه لا حلَ لهذه الأزمة المستعصية إلّا الحل السياسي فمن جهة ليست كل القوى الداخلة في اشتباكاتها كانت تقول بالحل السياسي، ومن جهة أخرى، إن التقدم العسكري وتقلص دور العمل المسلح، يسرِّع الخطى باتجاه الحل السياسي وليس العكس.
وأخيراً، وكما قلنا في مقال سابق: « في ظل تعقيد المشهد السوري، وتعدد اللاعبين المؤثرين، واختلاف الأجندات، والعراقيل التي ظهرت، كانت الحلول الإبداعية التي يقدمها الطرف الروسي، بهدف تحريك العملية السياسية كلما أصابها الجمود، أستانا- سوتشي، ما ينبغي إدراكه باستمرار: أن العلاقة بين القرار 2254 وبين المسارات الداعمة هي علاقة تكامل، وليست علاقة تضاد، وليست محاولة إلغاء مسار وتبديله بآخر، بمعنى: أنها بالمحصلة ومعاً تنصَّب باتجاه الهدف النهائي، وهو: الحل السياسي التوافقي الذي يعيد للسوريين قرارهم، ويمنع القوى الخارجية من التدخل»