الانسحاب باتجاه الحل
تزداد يوماً بعد يوم العوامل التي تساعد على إنهاء الوجود العسكري الأمريكي في البلاد، سواء كانت عوامل خارجية أو عوامل داخلية.
تشكل زيادة وزن القوى الدولية الصاعدة سياسياً واقتصادياً وعسكرياً الأساس الموضوعي، وشرطاً لانسحاب قوات الاحتلال الأمريكي، ولكنه لا يعتبر شرطاً كافياً، وإن كان ضرورياً، مما يفرض على القوى الوطنية السورية تأمين العوامل الداخلية التي تتكامل مع ميزان القوى الدولي الجديد للإسراع بإنجاز هذه المهمة الوطنية الكبرى.
إذا كان التراجع الكبير الذي جرى ويجري في وزن العمل المسلح على امتداد مساحات واسعة من البلاد، وتقلص نفوذ قوى الإرهاب، وجملة الهدن والمصالحات التي حصلت، والخطوات الجارية باتجاه تشكيل اللجنة الدستورية، تشكل مقدمات هامة باتجاه تأمين العوامل الداخلية، فإن استكمال هذه العوامل، أي: الإسراع بالحل الناجز على أساس القرارت الدولية، يعتبر ضرورة قصوى لا تحتمل التأجيل. فالعلاقة بين الحل السياسي وخروج القوات الأمريكية علاقة طردية، وكل خطوة باتجاه الحل تسرع خروج القوات الأمريكية، وكل تأخير بالحل السياسي يوفر الظروف المناسبة للولايات المتحدة، لتأخير خروجها، ويؤمن لها إمكانية اللعب على التناقضات الكثيرة في الميدان السوري، التي أدت إلى إضعاف البنية الوطنية السورية، وإنهاكها.
تعتبر تطورات الوضع في الجنوب السوري، وعودته إلى سيادة الدولة السورية، خطوة باتجاه إنهاء الوجود الأمريكي في «التنف»، ليضع على جدول الأعمال قضية الوجود العسكري الأمريكي في الشمال الشرقي من البلاد أيضاً، وهو ما يتطلب سياسة عاقلة وحكيمة، من كل القوى في البلاد، تأخذ كل تناقضات وخصوصيات الوضع هناك بعين الاعتبار، وبما يسرع من إنهاء هذا الوضع الشاذ المتجسد بوجود القواعد العسكرية الأمريكية.
مما لاشك فيه، أن الوضع في الشمال الشرقي من البلاد، هو جزء من الأزمة الوطنية السورية، ومن هنا فإن البحث عن أي حل خارج سياق الحل العام للأزمة لن يكتب له النجاح، وعليه فإن ضرورة السعي إلى تمثيل تيار «الإدارة الذاتية» ببناه العسكرية والسياسية في اللجنة الدستورية المزمع تشكيلها، وكل هياكل وبنى العملية السياسية الأخرى، يعتبر أنجع الحلول، ويضع الجميع أمام مسؤوليتهم الوطنية، ويؤدي إلى توحيد السوريين عموماً ضد الوجود الأمريكي، الذي لايمكن تبرير استمراره بكل الأحوال.
إن المراحل العديدة والخطوات المتلاحقة والتقدم باتجاه الحل على وقع ميزان القوى الدولي الجديد، من مدينة حلب إلى غوطة دمشق إلى الجنوب السوري مروراً بكل الوقائع المتفرقة التي كانت تشعرنا باقتراب الحل أو بابتعاده جزئياً، لا يمكن أن تصبح بديلاً عن الحل السياسي الشامل، بل ينبغي اعتبارها خطوات ضرورية يتم تأطيرها لمصلحة الحل السياسي بكل مفرداته الأساسية المتضمنة في القرار الدولي 2254، والذي يأتي على رأس بنوده الحفاظ على وحدة واستقلال وسيادة سورية، الأمر الذي لا يعني خروج القوات الأمريكية فقط بل خروج كل القوات الأجنبية.