خطوة في الاتجاه الصحيح
تفيد وكالات الانباء، بحوارات عديدة جرت بين وحدات الحماية وممثليها السياسيين، مع الحكومة السورية.. جاءت هذه الحوارات بعد إعلان بعض رموز الإدارة الذاتية بالتفاوض غير المشروط مع دمشق...
ما لاشك فيه، أن الحوار من حيث المبدأ خطوة ضرورية لحل هذا الملف، وهو الطريق الوحيد لعودة سيادة الدولة على كامل الأراضي السورية، ومن هنا فإن هذه الخطوة هي توجه إيجابي، ولاسيما وأنها جاءت بعد تصريحات ومواقف متشددة في الفترة السابقة من قوى الإدارة الذاتية، ويعزز هذا التوجه المناخ العام السائد بين القوى السورية، بالذهاب إلى الحل السياسي، ويتوافق معه، لاسيما بعد أن تأكد انتصاره كخيار على ما عداه من خيارات أخرى.
إن حقيقة وجود مسألة كردية في سورية باتت أمراً واقعاً، لم يعد بالإمكان إنكار وجودها وتجاهلها، ليس لأنه ثمة مواطنون سوريون لهم خصوصيتهم ولهم حقوق فقط، بل لأن عدم حل هذه المسألة حلاً ديمقراطياً عادلاً أدى وسيؤدي باستمرار إلى زعزعة الوحدة الوطنية في البلاد، ومن هنا فإن المدخل الصحيح لأية مقاربة جدية لمشكلة الأكراد السوريين هو المدخل الوطني، أي: اعتبارها مسألة وطنية سورية وأعني بذلك:
أولاً: إنها قضية كل السوريين، وليست قضية الأكراد فقط، وهي جزء من المسألة الديمقراطية في البلاد، وهي تاريخياً نتاج التقسيمات الاستعمارية، وسياسات الأنظمة اللاحقة
ثانياً: لا يمكن حل المسألة الكردية في سورية بإجراءات أحادية الجانب كالفدرالية وغيرها.. فكما لا يمكن حل الأزمة السورية حلاً حقيقياً دون حل المسألة الكردية ضمناً، لا يمكن في الوقت نفسه حل المسألة الكردية بمعزل عن الحل السياسي الشامل للأزمة السورية.
ثالثاً: يأتي على رأس المهام الحالية أمام الوطنيين السوريين وضع أفق الحل، أي: الإقرار بوجود مشكلة بحاجة إلى حل، مروراً باستعداد كل الأطراف بوضع هذه القضية على طاولة البحث، وانتهاء بإصرار السوريين على ضرورة مشاركة القوى الكردية الفاعلة في عملية الحل السياسي القادمة، والأطر الدولية التي تعمل في هذا المجال. كاللجنة الدستورية ومفاوضات جنيف وأستانا، وتحاول قوى دولية معروفة كالولايات المتحدة وغيرها استخدام الورقة الكردية، لإشاعة التوتر على أساس قومي، بعد أن فشلت عملية التوتر على أساس طائفي.
في هذه المرحلة الانعطافية التي تمر بها البلاد، فإن النخبة السياسية والثقافية السورية في النظام والمعارضة مدعوة إلى اتخاذ موقف وطني بكل أبعاده استناداً إلى الرؤية السابقة، فالتوافق بين السوريين والذهاب إلى الحل السياسي يفتح الطريق لعودة تلك المناطق إلى سيادة الدولة السورية في إطار الحل السياسي القادم على أساس القرار 2254
وفي هذا السياق، فإن لا مركزية إدارية واسعة وحقيقية وفعالة تُنهي ظاهرة تفاوت المستوى التنموي، وتمنح إمكانات واقعية للجماهير العريضة بمراقبة السلطة التنفيذية وأدائها بالتوافق بين السوريين، بالإضافة إلى مراعاة الخصائص القومية للكرد السوريين وحقوقهم بالتدريس بلغتهم الأم إلى جانب اللغة العربية، وتطوير الثقافة الكردية وحمايتها وفسح المجال لها أمام وسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة باعتبارها جزءاً من الثقافة الوطنية السورية تشكل شرطاً لا بد منه، لردع حالة التجاذب القومي من هنا وهناك سواء كان الخطاب الانعزالي لبعض الكرد أو استمرار سياسات التمييز القومي وإنكار الوجود من النظام، لأن استمرار هذا التجاذب يُمكّن القوى المعادية من استدامة الأزمة لاسيما وأن بعض مناطق الوجود الكردي في البلاد تمركزت فيها قوات أجنبية لدول عديدة معادية بذريعة محاربة داعش.
إن المشتركات الثقافية، والمصالح المتكاملة ومنظومة العادات والقيم السائدة بين عموم شعوب الشرق سواء في سورية وحدها، أو البلدان الأخرى، يفتح الطريق لحل مجمل القضايا على أساس الاعتراف المتبادل بالحقوق، ليس من خلال الحفاظ على وحدة البلدان فقط، بل للسير باتجاه وحدة نضال شعوب الشرق، لاسيما وأن التوازن الدولي الجديد، ومنطقه ومحتواه وتحديداً الدور الصيني الروسي يتوافق مع مثل هذه الإمكانية، وما المشاريع الاقتصادية الجبارة إلّا أسسٌ لبناء جديد في هذه المنطقة، ينهي كل أشكال التبعية للمركز الغربي الرأسمالي، ويفتح الباب على تنمية حقيقية ومتوازنة يشترك ويتشارك بها الجميع بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية والقومية والطائفية.
إن أحد أهم جوانب هذا التوجه الجديد لدى الإدارة الذاتية، هو أنها تضع قضية الوجود الأجنبي في الشمال السوري على جدول الأعمال، ويسقط ما تبقى من ذرائع قد تستخدمها قوى ما، في واشنطن والغرب عموماً للبقاء على الأرض السورية.
يجب أن تستكمل هذه التطورات الهامة، بتمثيل موضوعي لقوى الإدارة الذاتية في مختلف هياكل العملية السياسية السورية، من مسار أستانا إلى مسار سوتشي إلى جنيف، إلى اللجنة الدستورية، فكما أسلفنا، إن الحل النهائي للأزمة السورية كلّ لا يتجزأ، أما الحلول الترقيعية والآنية والجزئية على أهميتها، فإنها دائماً مهددة بالفشل أو الإفشال، في ظل التناقضات الكثيرة، والتشابكات الإقليمية والدولية والداخلية للأزمة، ومن هنا فأن من واجب رعاة العملية السياسية السعي إلى مثل هذا التمثيل.
كما ينبغي أن يؤخذ بالحسبان، بأن قوى الحرب في الإدارة الأمريكية، والقوى التي تعشعشت خلال سنوات الأزمة في الشمال الشرقي، بمختلف الأشكال ومن قبل العديد من الدول، ليس من مصلحتها حل هذا الملف، وستعمل على إفشال أي جهد ينهي هذه الحالة الاستثنائية، في الشمال والشمال الشرقي من الأراضي السورية، وقد تلجأ إلى افتعال صراعات جديدة، وتخلط الأوراق.
إن جعل هذا الحوار الجاري بين الحكومة السورية، والإدارة الذاتية متكاملاً مع المسارات الدولية، واعتباره جزءاً من الجهد الدولي (أستانا- سوتشي- جنيف) يحمي هذا التوجه الوطني، ويمده بالزخم وبفرص النجاح أكثر.