الحل السياسي من الألف الى الياء
كفاح سعيد كفاح سعيد

الحل السياسي من الألف الى الياء

الحل السياسي من حيث المبدأ، ليس مجرد معطى رغبوي، يتعلق برأي ورغبة طرف سياسي سوري، أو موقف دولة من الدول، بل هو مخرج الأمر الواقع، الذي لا بديل عنه، في ظل وصول الخيارات الأخرى كلها إلى طريق مسدود، وذلك بدلالة توافق الجميع عليه، بغض النظر عن طبيعة هذا الحل، ومحتواه، بالنسبة لهذا الطرف أو ذاك، وفي منحى آخر يأتي الحل السياسي، انعكاساً لمحتوى عالم التعددية القطبية، ومنطقه القائم على الالتزام بالقانون الدولي.

 

• من نافل القول، كان من الأفضل، ألا تصل الأمور إلى البحث عن حل دولي للأزمة، وأن يكون الحل سورياً، ولكن في ظل استمرار محاولات «الحسم والاسقاط» أصبحت الساحة السورية ميدان صراع مركب، سوري – سوري واقليمي ودولي، حتى بات من غير الواقعي الحديث عن حل سوري - سوري، في ظل أزمة مدوّلة بهذا المستوى، لاستعادة السيادة، لاسيما، وأن مستوى الأزمة، وصل الى ذلك المكان الذي يهدد موضوع وحامل السيادة نفسه، أي الوطن السوري في وجوده.
• الإرهاب أحد نتائج الأزمة، وليس سببها الوحيد، وإن كان نفسه أصبح سبباً خلال تطور الأزمة، ولكن لا يخفى على أحد بأن الإرهاب انتعش وتمدد في ظل الصراع البيني السوري_ السوري، وعليه، فإن القضاء النهائي عليه، ومنع إعادة إنتاجه، يمر حصراً من خلال إيقاف الصراع البيني، ومقدماته، ومسبباته، أي: من خلال الحل السياسي.
• الانتصار العسكري، على قوى الإرهاب جزء من الصراع وليس الصراع كله، والمعركة ضد الإرهاب ليست معركة عسكرية فقط، بل هي معركة سياسية عسكرية، وهي في العمق سياسية قبل أن تكون عسكرية، والدخول العسكري الروسي على خط الأزمة، كعامل أساسي في تراجع دور الجماعات الإرهابية، هو لدفع العملية السياسية، أي: أن محاربة الإرهاب من قبل روسيا الاتحادية هو عامل مساعد للحل، ولا يمكن أن يكون بديلاً عنه.
• إن اقتصار المجابهة على ما هو عسكري فقط، يعني استمرار القتال، واستمرار القتال، يعني الانخراط في استراتيجية استدامة الاشتباك الأمريكية، من حيث ندري، أو لا ندري.
• كلما يتأخر الحل السياسي، يزداد وزن العامل الخارجي في الأزمة السورية، وكلمّا استمر الصراع العسكري، توفرت الذرائع لبقاء القوات الأجنبية، مما يعني: استمرار الانتقاص من السيادة الوطنية.
• يختلف دور العامل الخارجي في ظل تطور ميزان القوى الدولي، لصالح القوى الدولية الصاعدة، فدور العامل الخارجي اليوم، لا يقتصر على وجود وتحكم قوى الهيمنة الغربية فقط، كما كان الأمر سابقاً، بل هناك قوى دولية صاعدة، هي التي تحدد العلاقة بين الداخل والخارج في الأزمة السورية، وتستند على القانون الدولي، وميثاق الأمم المتحدة، فالعامل الخارجي هنا، يلعب دوراً في استعادة السيادة الوطنية، وليس العكس، وبهذا المعنى فإن التشكيك بالقرار من هذه الزاوية، يصبح غير مفهوم في ظل إمساك الحليف الروسي بزمام المبادرة.
• من الخطأ الركون، إلى صلابة الموقف الروسي وزيادة وزنه فقط، بل ينبغي توفير الحوامل السورية ليتوافق الداخلي مع الخارجي، ومهما جرى التقدم دون توفير هذه الحوامل، لا يمكن تحويل التقدم إلى وقائع ملموسة وراسخة على الأرض.
• الأزمة السورية، هي إحدى خطوط التماس بين القوى الصاعدة والقوى المتراجعة، ولكن الصراع لا يقتصر على سورية وحدها، ومع احتدام الصراع، تتشابك كل القضايا وتتداخل، وبالتالي فإن تأخير الحل، يعني موضوعياً إخضاع مصير سورية إلى التجاذب الدولي والإقليمي، فالبنى الهشة كما هو معلوم سهلة الاختراق، والصراع البيني في عالم اليوم، هو أهم تجليات الهشاشة.
• القرار 2254، هو تعبير عن ميزان القوى الدولي في لحظة تاريخية محددة، استطاع الحليف الروسي التقاط اللحظة المناسبة، وفرضه كقرار دولي، وهو بذلك بات نقطة الاستناد الأساسية وخريطة الطريق العامة لأي حل، يكتسب مشروعيته من توافق الجميع عليه، وفي الوقت نفسه، هو قرار مرن، بحيث لا يلغي دور أحد، ولكن أبداً ودائماً، ضمن شرط محدد، وهو استعادة القرار السوري، إلى السوريين أنفسهم، واستعادة القرار إلى السوريين لا يعني البته، أن القرار هو أداة تسليم السلطة للمعارضة، وفي الوقت نفسه لا يعني قطعاً بقاء النظام كما هو، بل يعني بالضبط: توفير البيئة القانونية والسياسية المناسبة، حتى يستعيد السوريون كل السوريين، قرارهم، وضمن آجال زمنية محددة، لأن عنصر الزمن ليس حيادياً في عالم اليوم، وخصوصاً في الأزمة السورية، وفي ظل التوتر المتصاعد في العلاقات الدولية، ولأن التأخير يعني ضمناً: استمرار أوهام الالتفاف على القرار وتمييعه، وتفريغه من محتواه، أي: استعادة القرار إلى السوريين، وبالتالي فإن البحث عن بدائل للقرار يعني: أن كل الاطراف، ستحاول فرض أجندتها من جديد، مما يعني موضوعياً: العودة إلى المربع الأول.
• في ظل تعقيد المشهد السوري، وتعدد اللاعبين المؤثرين، واختلاف الأجندات، والعراقيل التي ظهرت، كانت الحلول الإبداعية التي يقدمها الطرف الروسي، بهدف تحريك العملية السياسية كلما أصابها الجمود، أستانا_ سوتشي، ما ينبغي إدراكه باستمرار: أن العلاقة بين القرار 2254 وبين المسارات الداعمة هي علاقة تكامل، وليست علاقة تضاد، وليست محاولة إلغاء مسار وتبديله بآخر، بمعنى: أنها بالمحصلة ومعاً تنصَّب باتجاه الهدف النهائي، وهو: الحل السياسي التوافقي الذي يعيد للسوريين قرارهم، ويمنع القوى الخارجية من التدخل.
• إن الحلّ السياسي وفق هذه الرؤية، يفتح الطريق على تحقيق جملة المهام الموضوعية التي تنتصب أمام سورية، بحكم الجغرافيا السياسية، وشكل التطور الاقتصادي والسياسي في البلاد خلال المرحلة السابقة، وهي: المهام الوطنية والاقتصادية الاجتماعية والديمقراطية، كمهام متكاملة، ومتخادمة، ومترابطة لدرجة لم يعد بالإمكان إنجاز إحداها دون الأخرى.