المسارات الثلاثة = 2254
لم يكد يمر أسبوع واحد على العدوان الغربي الفاشل ضد سورية، حتى عادت الأمور لتنتظم ضمن مسارها الموضوعي باتجاه تفعيل ثلاثية (جنيف، أستانا، سوتشي)؛ وهو ما ظهر جلياً في اجتماع لافروف مع دي مستورا يوم 20 نيسان الجاري.
الجديد في المسألة هو أن الاعتراف بهذه الثلاثية قد اتخذ شكلاً جديداً مع الاجتماع آنف الذكر؛ فالحديث لم يعد ضمن حدود «مسارات موازية لا مانع من وجودها في حال أثبتت أنها داعمة للمسار الأساسي في جنيف»، كما كان ممكناً أن يُفهم من تصريحات دي مستورا والغربيين على السواء، بل انتقلت الأمور للحديث عن مسارات متوازية ومتكاملة وينبغي تفعيلها جميعها، وبحسب كلمات دي مستورا نفسه فإن: «المفاوضات بشأن التسوية السورية في سوتشي يجب أن تصبح أكثر أهمية بالنسبة للمجتمع الدولي، والمحادثات في أستانا من الأفضل أن تعقد بشكل أكثر انتظاماً»، كما أن هنالك ضرورة لـ«دعم مسارات التسوية السورية الثلاثة».
يأتي ذلك بالتزامن مع إطلاق الولايات المتحدة لشرط تعجيزي جديد للاشتراك في مفاوضات جنيف، والذي عبرت عنه المتحدثة باسم البيت الأبيض بالقول: «إن الجانب الأمريكي سيعود إلى المفاوضات مع دمشق إذا ما كشفت الحكومة السورية عن الأسلحة الكيميائية التي في حوزتها». وأنّ ذلك إذا حدث فإنه سيشجع الولايات المتحدة على «العودة إلى المفاوضات في جنيف».
وضمن المحاولات البائسة المستمرة لتفسير ما يجري وفقاً لأهواء ونزعات المتضررين من الحل السياسي، يتفق المتشددون في الطرفين على نعي مسار جنيف ومن ورائه القرار 2254؛ فجهة تدفع باتجاه حلول سوتشي (وفق تفسير محدد ومحدود) محل جنيف، وجهة تدفع نحو الوصول إلى قرار دولي جديد بديل عن 2254. ولكن الوقائع العنيدة تقود نحو الاستنتاجات الأساسية التالية:
أولاً: القرار 2254، المصنوع في روسيا والصين أساساً، والذي وافقت القوى الغربية عليه على مضض، وفي نيتها عدم السماح بتطبيقه، كان ولا يزال صراط الحل الذي تدور كل المسارات حوله.
ثانياً: مسارا أستانا وسوتشي اللذان تم استحداثهما لتجاوز التعطيل الغربي لمسار جنيف ولدفع هذا المسار قدماً، ورغم عدم الاعتراف الجدي بهما في بداية الأمر، بل والمحاولات الواضحة والعلنية أحياناً لإفشالهما، فإنهما قد نجحا وأصبحا جزءاً معترفاً به من عملية التطبيق الشاملة للقرار 2254 بالتلازم مع مسار جنيف.
ثالثاً: أهم من ذلك كله أنّ الشرط التعجيزي الجديد الذي طرحته واشنطن على محادثات جنيف، وإذ يكشف مجدداً عداءها الفعلي للحل السياسي في سورية، فإنّه فوق ذلك محاولة فاقعة لنسف مسار جنيف نفسه، محاولة سرعان ما جرى تطويقها ضمن معادلة واضحة: القرار 2254 سيتم تطبيقه عبر المسارات الثلاثة معاً، سواء اشترك الغرب في هذه العملية أم لم يشترك!