«سورية تحتاج نظاماً جديداً... وموقف منصة موسكو واضح»
عقد رئيس منصة موسكو للمعارضة السورية، وأمين حزب الإرادة الشعبية، د.قدري جميل، مؤتمراً صحفياً يوم الجمعة 2 شباط 2018، في مقر وكالة «روسيا سيغودينيا» في موسكو، تناول فيه آفاق التسوية السلمية للأزمة السورية، ولا سيما تلك المتعلقة بنتائج مؤتمر الحوار الوطني في سوتشي. فيما يلي نستعرض جزءاً من هذا المؤتمر، متضمناً المقدمة الاستهلالية التي بدأ فيها د.جميل المؤتمر.
قاسيون
قبل كل شيء، أريد أن أهنئ الشعب السوري أولاً، والقوى الشريفة جميعها في سورية، وجميع الحاضرين هنا بنجاح مؤتمر سوتشي. إذ نجح مؤتمر سوتشي نجاحاً منقطع النظير، وانعكس ذلك تحديداً في قضيتين: إقرار البيان الختامي بالشكل الذي أُقر فيه، وتشكيل لجنة الإصلاح الدستوري. كانت هنالك مراهنات كثيرة على سوتشي، وكان هنالك مراهنون على أن سوتشي سيدفن جنيف، كما كانت هنالك رهانات من الطرف الآخر بأن سوتشي معادٍ لعملية جنيف ولن تحضره.
سلطة الشعب لا الدولة
نحن كان موقفنا من الأساس، أن جنيف بحاجة إلى إنعاش كما أنعشته آستانا في حينه، لذلك يجب الذهاب إلى سوتشي، وقد ناقشنا كثيراً وبحدة، حيث جرى النقاش بيننا وبين أصدقائنا وإخواننا في هيئة التفاوض التي لم تستطع أخذ قرار لا بالذهاب ولا بعدم الذهاب، حسب النظام الداخلي المقر في الهيئة، لذلك كان حقنا أن نذهب لأن الدعوات أصلاً فردية ولم توجه دعوة لهيئة التفاوض بل وجهت الدعوة لأعضاء في هيئة التفاوض بصفتهم الشخصية. نحن لبينا هذه الدعوات، وذهب وفدنا_ بما فيه أعضاء في هيئة التفاوض_ إلى سوتشي.
إن نجاح المؤتمر في سوتشي بالمخرجات التي ذكرتها يعني الأمور التالية: أولاً: أن جنيف قد أُنقذت. ثانياً: أن العملية السياسية في سورية لخروجها من الأزمة هي قاب قوسين أو أدنى من أن تبدأ. ثالثاً: نجاح سوتشي يعني أن الأطراف جميعها التي لها علاقة بالأزمة السورية من حيث المبدأ، قد تم التوافق بينها على بدء النقاش المباشر حول قضية كبرى هي الدستور. والدستور هو سورية المستقبل، وكيف ستكون. هذه الأمور كلها أساسية وهامة، وكلها ستجري تحت رعاية الأمم المتحدة، وعلى أساس تنفيذ القرار 2254. لكن أهم ما أريد قوله حول نتائج سوتشي، كان السيد لافرينتيف قد أعلنه في مؤتمره الصحفي، ولم يتوقف عنده الكثيرون ولم يعطوه الاهتمام الكافي، وهي نقطة قالها السيد لافرينتيف: أن روسيا فوضت دي ميستورا كدولة بتشكيل لجنة الإصلاح الدستوري، وبالتالي، لا أعتقد أن هنالك عوائق اليوم أمام تشكيل وبدء عمل هذه اللجنة.
ماذا يعني إصلاح دستوري؟ هذا ما سنناقشه في اللجنة نفسها، الإصلاح الدستوري مفهوم عريض، ممكن أن يبدأ بتعديلات على الدستور، ويمكن أن ينتهي بتغيير على الدستور، هذه قضية تفاوضية ويجب الانطلاق فيها ليس من مواقف سياسية وإيديولوجية مسبقة، وإنما يجب الانطلاق بها من ضرورات الواقع نفسه، سأسوق مثالاً: الدستور الحالي 2012 عندما شُكلت لجنته كانت الفكرة من حيث المبدأ أن يجري تغيير مادة أو مادتين من الدستور، لكن عملياً عندما تغيرت المادة الثامنة التي كانت تقول بقيادة حزب البعث للمجتمع والدولة، اضطرت لجنة الدستور أن تغير 40 أو 50 مادة مرتبطة بهذه المادة، فتشكل دستور جديد. لذلك، أرجو عدم الغوص بنقاشات نظرية، وسابقة لأوانها منذ الآن، في موضوع التعديل أو التغيير للدستور، دعونا نكون هنا براغماتيين قليلاً، إذ نبدأ العملية والشهية ستأتي مع الأكل، وسنرى ماذا سيتطلب الواقع نفسه، ولكن المهم أن سورية بحاجة إلى نظام سياسي جديد يجب أن ينعكس في الدستور، ويجب أن يضمن الانتهاء من آثار الكارثة الإنسانية، وأن يضمن استمرار مكافحة الإرهاب، وعدم إعادة إنتاجه، نتيجة الظروف الاجتماعية والاقتصادية، ويجب أن يضمن التغيير الوطني الديمقراطي المطلوب، الذي يمارس فيه الشعب_ فعلاً وليس قولاً وليس ورقاً_ السلطة الحقيقية على جميع مؤسسات الدولة، والرقابة الحقيقية على كل مؤسسات الدولة، أي: أن السلطة في أية دولة ومنذ بدء التاريخ حينما استُخدمت كلمة ديمقراطية، كانوا يتكلمون دوماً عن سلطة الشعب، وليس عن سلطة الدولة، الدولة ينتخبها الشعب ويقرها الشعب ويراقبها الشعب، لذلك نحن مطلوب منا في الدستور الجديد، في سورية، أن نفكر جدياً كيف يجب أن يمارس الشعب سلطته في بلادنا.
هذا باختصار ما أردت قوله لكم وكلكم اطلعتم على سوتشي ومجرياته، والهدف من مؤتمر سوتشي تحقق وجرى اختراق كبير، فجنيف التي تعمل منذ سنوات كانت متوقفة ومعطلة في مكانها، سوتشي أعطاها دفعة قوية وهذا أنا قلته في المؤتمر السابق، بأن سيارة جنيف مغرزة في الوحل ويلزمها دفع، وسوتشي قام بدفعها بقوة، وهذه السيارة اليوم تهيئ نفسها للانطلاق، ومحرك جنيف عاد للعمل وبقي أن ندعس على «كبسة البنزين» كي تنطلق سيارة جنيف. وبانطلاق سيارة جنيف لتنفيذ القرار 2254 نكون قد حققنا عملياً الهدف المطلوب، والذي كان ينتظره طويلاً الشعب السوري.
أهداف سياسية
وأمنية من «صورة كيالي»
حول احتمال إجراء تغييرات في هيئة التفاوض، و«الصورة مع علي كيالي» والتي كانت مادة عملت وسائل الإعلام على استغلالها كثيراً، أكد جميل: أولاً: ليس مطلوب تغيير هيئة التفاوض، لأن ذلك يتطلب تغيير قرار مجلس الأمن، وقرار مجلس الأمن لا يمكن تغييره، لأن تغييره سيسبب كارثة، وسيجعل الكارثة تستمر في سورية، وهذا ما يريده الغربيون، اليوم شكلنا عملياً في سوتشي لجنة دستور، واتفقنا هناك على آليات تشكيل هذه اللجنة، الآليات هي على الشكل التالي: تم الاتفاق تصويتاً أن الأسماء التي سيجري منها الانتقاء للجنة الدستور هي مئة من الموالاة، وخمسون من المعارضة الحاضرة، وطُلب تسليم القوائم لهيئة الرئاسة، وهذا ما جرى. وفي القرار النهائي، قيل: إن لجنة الإصلاح الدستوري ستشكل ممثلين للحكومة، أي: سيتم اختيارهم من هؤلاء المئة، هؤلاء ليسوا هيئة، هؤلاء مرشحون مفترضون محتملون لعضوية لجنة الإصلاح الدستوري، وسيتم اختيارهم من الخمسين الذين قٌدموا إلى هيئة الرئاسة، إضافة إليهم هنالك عدد سيقرره دي ميستورا من المعارضات الأخرى، ومن ممثلي المجتمع الدولي، ومنهم خبراء، بمعنى آخر، أن المئة وخمسون الذين قُدمت أسماؤهم هم ليسوا هيئة ناخبة، بل هم مرشحون منهم، أُعطي دي ميستورا حرية الخيار بعد أن يدرس الموضوع مع أصحاب العلاقة جميعهم، لذلك أصبح لدينا هنا مساران مرتبطان ببعضهما البعض، لدينا هيئة التفاوض على أساس القرار 2254 ولم يلغها أحد، ولدينا لجنة الإصلاح الدستوري التي ستُشكل على أساس منتجات ومخرجات سوتشي، كل موضوع الدستور سيُبحث في لجنة الإصلاح الدستوري، وخلال العملية اللاحقة سنرى كيف الوفدان، أنتم لاحظتم بين مرشحين الموالاة المئة، أنا لاحظت ولا أعلم إذا رأيتم القائمة، كثير من أعضاء الوفد الحكومي غير موجودين بعضهم موجود وبعضهم الآخر غير موجود، لذلك لا يجوز وضع هاتين القضيتين بوضع تناقض.
صحيح أنه خلال السنوات الماضية، وفد الحكومة ووفد المعارضة لم يستطيعا الجلوس معاً، ولكنهما الآن سيجلسان عبر هذه الطريقة هذا أولاً، ثانياً: دائماً مع الطرف التركي هنالك إشكالات، ولكن أعتقد كونه أحد الرعاة الثلاثة، عبر النقاش مع الأصدقاء الروس والإيرانيين سيتم حلها، والدليل أن الإشكالات التي كانت موجودة ببدء المؤتمر تم حلها، أما فيما يخصني بكلامك، فالرفيق خالد الذي يجلس بجانبك كان موجوداً بسوتشي وكان ممثلاً لجبهة التغيير والتحرير، أنا تصور معي العشرات وإذا لم أرد المبالغة المئات، و95% من الذين تصوروا معي أنا لا أعرفهم، وعلى فكرة الذي يعرفني ليس هنالك حاجة لأن يتصور معي، لكنه كان يطلب الصورة المشتركة أناس يعرفونني، ولكن لم يسبق أن التقوا بي، وأنتم تعرفون أنه لباقةً وأدباً أنا ليس من الممكن أن أرفض لأحد من السوريين الموجودين في مؤتمر الحوار الوطني، أن آخذ صورة مشتركة معه، مع أن هذا الموضوع أخذ وقتاً كبيراً مني في الاستراحات التي كان يجب أن أعمل بها بقضايا تهم مجريات المؤتمر، وأحد الذين أخذ صورة معي هذا الشخص الذي ذكرته، والذي لم ألتقِ به سابقاً، ولم ألتقِ به إلا خلال الصورة، وقد أخذت الصورة معه دون أن أعرف اسمه، والملفت للنظر أنه بعد ساعتين كانت هذه الصورة منتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي، وعند الطرف المعارض مع تعليقات غير محترمة، السؤال الأول: كيف انتقلت الصورة التي جرت في سوتشي إلى أطراف المعارضة؟ وفي اليوم التالي، سمعت أن الكثير من الجرائد التركية والتلفزيونات قد نشرتها، والسؤال الأهم: ليس لماذا نشروها، بل كيف انتقلت هذه الصورة من الكاميرا التي التُقطت بها إلى وسائل الإعلام المعارضة والتركية، هذا السؤال أنا سأدقق فيه وحينما أجد الجواب سأبلغه، ليس لدي جواب الآن، لذلك، هذه الصورة هي كعشرات ومئات الصور الأخرى، فاستخدام هذه الأوراق هي لعبة غير شريفة، وهدفها أنا أعيه وهو الإيقاع بين الجانب الروسي والجانب التركي أكثر، الإيقاع وإحداث المشاكل معناه، أن هنالك طرفاً ثالثاً يعمل على هذا الموضوع، والهدف الآخر منها، هو استمرار الهجوم علينا وعليَّ شخصياً من أجل إلقاء ظلال الشك والشبهات على موقفنا السياسي، وعلى منصتنا وعلى حزبنا وعلى الجبهة، استباقاً للتطور اللاحق، لذلك، فإن هذه العملية ليست بسيطة وليست بريئة وإنما لها أهداف بعيدة المدى سياسية وأمنية.
موقف منصة موسكو قوي
وحول مسألة تشكيل لجنة الإصلاح الدستوري، قال جميل: أولاً: ديمستورا بالتشاور مع كل طرف، وبعد أن يقرر عدد الوفد الإجمالي وحصة كل طرف من هذا الوفد، سيتشاور مع أولي الأمر في هذا الوفد حول الأسماء التي يجب اختيارها ويأخذ هو القرار، تقول لي خمسين؟ افتراضياً أنا أقول أنه سوف يأخذ 25 من وفد الموالاة، لأنه يشي بهذا الأمر النسب بالأسماء التي طُلبت، الأعداد: 150+100+50+ نسبة لديمستورا أعتقد أن وزنها سيساوي الخمسين، وهو لن يضع خمسين اسماً، هو سوف ينتقي. بما معناه أنهم سوف يأخذون نصف ال25، بقي نصف ال25 الرابع وسيختاره ديمستورا من هيئة التفاوض من الذين لم يحضروا ومن خبراء ومن المجتمع المدني، هذه العملية ستجري بالتشاور مع جميع المكونات، هنا أنا لست مستاءً، أتتنا الدعوات بأسمائنا الشخصية، لكن أنا لم أذهب بقرار شخصي بل أخذت موافقة المنصة، وموافقة قيادة الحزب، وموافقة قيادة الجبهة، وأرسلنا وفداً من 32 شخص من دمشق، ووفدنا هناك كان 36، وهنالك 90 شخصاً في دمشق بقوا على أرض المطار، حيث جرت إعاقة خروجهم بشكل مقصود من قبل السلطات السورية مع الأسف، مع أنه كان هنالك أمكنة فارغة في آخر طائرة، والـ90 شخصاً عادوا إلى بيوتهم بعد انتظار 24 ساعة، ولكن بما أن الأعمال بالنيات، فأنا أعتقد أنه ممكن أن نعتبر أن هؤلاء حضروا سوتشي، لأنهم كانوا ينوون الحضور ولم يستطيعوا بسبب ظروف خارجة عن إرادتهم، ولكن نحن كنا موجودين كمنصة موسكو وجبهة التغيير والتحرير بكمية لا بأس بها، بالمقارنة مع مكونات المعارضة الأخرى، التي كانت موجودة في سوتشي، وكل هذه الإشكالات ستُحل خلال الأيام القليلة القادمة بالتشاور مع السيد دي مستورا، وأنا مسرور من شيء، أننا حضرنا كمنصة موسكو رغم كل الترويع والتخويف والهجمات التي جرت ضدنا، وحجزنا لنا مكاناً على هذا الأساس في لجنة الإصلاح الدستوري عبر سوتشي، ونحن موجودون أصلاً في الهيئة، وأيضاً الهيئة سيكون لها حصة، ونحن لنا حصة في الهيئة، سنحاول ترتيب الأمور. أنت تسألني أسئلة من المبكر الإجابة عنها، اليوم سوف يجري توافق، ولكن موقعنا قوي كمنصة موسكو من أجل الحديث عن تشكيل لجنة الإصلاح الدستوري القادمة.
التغيير الحقيقي ضمانة دحر الإرهاب
أما عن مكافحة الإرهاب، فأكد د.جميل: مكافحة الإرهاب صحيح أنها تتم عسكرياً بالدرجة الأولى، ولكن الاقتصار على الجانب العسكري خطير، لأنه ممكن أن يضع الأرضية لإعادة إنتاج الإرهاب، إذا لم يرافق العمل العسكري عمل سياسي واقتصادي واجتماعي عميق، لأن الإرهاب ليس ظاهرة فقط مدعومة من الخارج، بل الإرهاب له أرضيته وبيئته الداخلية الاجتماعية الاقتصادية، هي المهمشون والفقر والبطالة، واقتصار مكافحة الإرهاب على الجانب العسكري خطير، وسيجري ما جرى في العراق، حينما تم القضاء على القاعدة، وأُعيد إنتاجها بشكل داعش، لأن القضاء على القاعدة لم يرافقه تغييرات سياسية حقيقية، وإعادة الحقوق إلى الناس، هذا استطاعت داعش أن تبني عليه، وداعش كبنية أسوأ من القاعدة في الممارسة، لذلك أنا أقول في سورية عملياً، ننتهي من القضاء على داعش1، ولكن إذا لم يرافق ذلك تغييرات سياسية واقتصادية عميقة ليس هنالك ضمانة ألا تظهر داعش2، وداعش2 ستكون أسوأ من داعش1 هذا أولاً.