عكس التيار

عكس التيار

يضج الفضاء الإعلامي بحملة غير مسبوقة، ترتقي إلى مستوى الإرهاب الإعلامي المنظم، عنوانها الظاهر الهجوم على مؤتمر الحوار الوطني، و لكنها في العمق حملة ضد الحل السياسي، وضد القرار 2254، وضد الدور الروسي، بغض النظر عن التأويلات والتفسيرات والمبررات الباهتة، التي يسوقها أركان حرب هذه الحملة، تشكيكاً، وتشويهاً، وتزويراً، ضد هذا الاستحقاق.


القاسم المشترك الجديد، في هذا الاستنفار الإعلامي الأعمى هو التباكي على القرار 2254، ومفاوضات جنيف، فثمة ما يشبه الإجماع بين هؤلاء، ولأول مرة على التمسك بهذا القرار، وضرورة عدم الخروج عنه، والدعوة إلى التفاوض المباشر، ومن هنا يمكن القول بأن «سوتشي» حقق أحد أهدافه، حتى قبل أن ينعقد، وهو إقرار الجميع بما يجب، أي الاستعداد للعودة إلى طاولة التفاوض، أو على الاقل وضع هؤلاء في مأزق جديد.
تعكس هذه الهيستريا  في العمق، حالة قلق ورعب من اقتراب الحل السياسي، ودنو أجل  ما تبقى من قوى العرقلة، بدلالة أن هذا الهجوم اعتمد على تشويه وظيفة «سوتشي»، والحكم المسبق عليه، حتى قبل اتضاح جدول أعماله النهائي، وقبل توجيه الدعوات إلى الأطراف المختلفة، و أيضاً بدلالة، أن من تصدر مشهد التشكيك والتشويه، والرفض في هذه الحملة، هي تلك القوى التي بقيت على قارعة الطريق، في إطار عمليات الفرز الجارية والمستمرة بين قوى المعارضة السورية.  
تؤكد التجربة الملموسة مع الراعي الروسي، أنه تحلى على مدى سنوات الأزمة، بالوضوح والصراحة والحيادية والنزاهة في التعاطي مع كل السوريين في النظام والمعارضة، وحتى مع القوى الدولية والإقليمية ذات الشأن، ولذلك بالضبط استطاع إحداث كل التقدم الذي حصل في مسار العملية السياسية، بدءاً من بيان جنيف، ومروراً بالقرار 2254، والحرب على الإرهاب، و مسار استانا، وتجربة مناطق خفض التصعيد، وعملية تشكيل الوفد الواحد للمعارضة، والإصرار على مشاركة كل القوى ذات الشأن في العملية السياسية، ومن خلال هذا الجلد و هذه النزاهة استطاع الحليف الروسي، أن يصبح القاطرة التي تجر خلفها كل العملية السياسية، رغم جميع التعقيدات، والتشابكات في الأزمة السورية، وتحقيق الإجماع الإقليمي والدولي حولها، و هو قادر أيضاً على إيصالها إلى محطتها الأخيرة، أي تنفيذ القرار 2254،  الذي يؤمن الحفاظ على وحدة سورية، ويعيد سيادتها على كامل أراضيها، ويوفر إمكانية أن يقرر السوريون بأنفسهم مصير بلادهم، وصولاً إلى التغيير الوطني الديمقراطي الجذري والشامل، كاستحقاق لابد منه، وعليه فإن أحد أهم المعايير في الموقف العملي من الحل السياسي التوافقي، هو الموقف من الدور الروسي، فكل تشكيك وهجوم على هذا الدور، هو هجوم على الحل السياسي نفسه، وكل ممانعة للحل السياسي، هي سير عكس التيار الجديد في منظومة العلاقات الدولية الذي يشق طريقه، بصعوبة، ومن خلال معارك قاسية وعلى جبهات عديدة، ولكن بثبات ودون رجعة.