الافتتاحية ارتفاعات الأسعار إلى أين؟
تستمر ارتفاعات الأسعار لتصل منذ بداية العام إلى نحو 40% مما كانت عليه، مع جمود للأجور الاسمية خلال الفترة نفسها، مما يعني انخفاض الأجر الفعلي بنسبة ارتفاعات الأسعار المذكورة، وهذا الأمر مع أنه سيء، إلا أنه ما كان ليعد خطيراً لولا إشارات الإنذار المبكر التي ترسلها ارتفاعات الأسعار على العقارات والأراضي تحديدا والتي تجاوزت الوسطي العام للارتفاعات العامة بكثير، لتصل إلى حدود 100% تقريباً خلال تلك الفترة.
فماهي دلالات ارتفاع أسعار العقارات والأراضي؟
- إنها تعني أنه يجري تكوّن وزمة تضخمية، سيكون لها مفعول كرة الثلج خلال العام القادم على مستوى الأسعار العام، وعلى وضعية الليرة السورية مقابل العملات الأخرى، إلا إذا تمت التضحية بجزء من الاحتياطات الوطنية للعملة الصعبة، وهذا أمر خطير يمس الأمن الوطني.
- إنها تعني أن أصحاب رؤوس الأموال الكبيرة، الداخلية أو الخارجية، وبسبب من الطبيعة الجينية لأموالهم ، والتي لا تقاليد لها في مجال الإنتاج المادي الذي يتطلب دراية وإدارة وتكنولوجيا،فإنهم ينجذبون نحو الأرباح ذات الطبيعة الريعية، لذلك أخذوا يتخلون عن رؤوس أموالهم النقدية ويحولونها إلى أراض وعقارات خوفاً على قيمتها من الهزات السياسية المتوقعة في المنطقة، مما رفع الطلب في هذا المجال، وبالتالي رفع الأسعار إلى حدود غير مسبوقة، مع كل ماسيترتب على ذلك من ارتفاعات هامة للأسعار في هذا المجال وهو أمر خطير على الأمن الاجتماعي لأنه سيجعل الحصول على مسكن بالنسبة لأصحاب الدخل المحدود أمرا مستحيل المنال خلال حياتهم الأرضية.
- يعني أن جانب من المكاسب الاجتماعية التي تحققت في العقود الماضية والتي تمثلت بقدرة جزء من أصحاب الدخل المحدود على تملك مكان سكنهم، ستتبخر أمام ضغط ارتفاع أسعار العقارات والارتفاع العام في الأسعار والثبات النسبي للأجور، الأمر الذي سيضطرهم للتخلي عن ملكياتهم عبر بيعها لتوفير فائض يغطي النقص الحاصل في الأجور، الأمر الذي سيخلق قوة نابذة تقذف بأصحاب الدخل المحدود من داخل المدن إلى حدودها وأطرافها، مما يعني أن تمركز الثروة وتمركز الفقر سيأخذ ملامح جغرافية واضحة مع مايرافق ذلك من اختلالات بنيوية في التوزيع السكاني وتوزيع الخدمات والموارد، وهو أمر خطير على الأمن الاقتصادي.
والمؤسف أن كل هذه المؤشرات والإشارات، تعتبر لدى البعض إيجابية، ويضيفها لحساب النمو المطلوب، معتبراً أن تدفق بعض الاستثمارات الخارجية إلى مجال العقارات والأراضي هو شيء إيجابي.
والواقع، واستناداً إلى التصريحات الرسمية يقول: إن التضخم هو بحدود 7% وسطياً خلال 2005 ـ 2006، ولكنه سيكون أكبر من ذلك بكثير لو كان محسوباً بالأسعار الجارية. ويقول المصدر الرسمي نفسه: إن النمو خلال هذين العامين هو وسطياً بمقدار 5 %، ولكنه لايقول أنه محسوب بالأسعار الجارية، لأنه لو حسب بالأسعار الثابتة لأصبح النمو الفعلي حوالي الصفر.
إن الاقتصاد والأرقام الإحصائية لايتحمل أن يدار بلعبة «الكشاتبين»، فهي تقدم حينذاك لوحة تضليلية لتبييض صفحة الحكومة وطاقمها الاقتصادي الذي فشل عملياً خلال العام الأول من خطته من تحقيق أي هدف من الأهداف المعلنة، بل حقق عكسها، والقادم أعظم إذا لم توضع الأمور في نصابها لمعرفة أين نحن فعلاً، من أجل الانطلاق خلال الثواني المتبقية بسياسة اقتصادية تضمن متطلبات المواجهة من أجل تأمين كرامة الوطن والمواطن.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 283