الافتتاحية كي لا نخدم أعداءنا.. مجاناً
من بيان 3 نيسان الصادر في لندن عن قيادة الإخوان المسلمين، إلى إعلان دمشق عشية تقرير ميليس، إلى إعلان جبهة الخلاص الوطني من بروكسل، إلى إعلان دمشق - بيروت عشية قرار مجلس الأمن 1680، كل هذه المحطات تشير إلى اشتداد الصراع السياسي - الاجتماعي في سورية وحولها، وإذا كانت هذه المحطات متوافقة مع الضغوط الخارجية إلا أنها في أحسن الأحوال لاتخرج عن محاولة الاستفادة من العامل الخارجي، السالب هذه المرة، مدعية التشاطر عليه من أجل الوصول إلى مكاسب لن تخرج موضوعياً، بغض النظر عن إرادة أصحابها، عن أهداف المخطط الأمريكي ـ الصهيوني. الذي يهدف إلى تفتيت المنطقة وإدخالها في نفق الاقتتال الداخلي الطويل المدى من أجل تأمين هيمنته ومصالحه.
وواضح أن هذا المخطط سيستخدم كل الثغرات ونقاط الضعف في الوضع الداخلي فيما يتصل بالقضايا الاجتماعية والاقتصادية وحتى السياسية من أجل الوصول إلى هدفه المنشود.
فارتفاعات الأسعار واستمرار البطالة وعدم حدوث الانفراج الديمقراطي الداخلي المطلوب تجاه الجماهير الشعبية، كلها عوامل موضوعية يستفيد منها العامل الخارجي لتمرير مخططه اللئيم.
وإذا تذكرنا حقبة الثمانينات وماجرى فيها من صدام واسع ودامٍ مع قوى مشبوهة آنذاك، لرأينا أن النظام لم يستخدم الحلول الأمنية فقط، والمبالغ بها أحياناً، بل لجأ إلى تعبئة واسعة في المجتمع مستفيداً من الاتحادات العمالية والطلابية والفلاحية، وكذلك من أحزاب الجبهة وقدرتها على تحريك أوساط واسعة من الجماهير الشعبية لصد الهجمة آنذاك، بمعنى آخر استخدم الأدوات السياسية بالدرجة الأولى، وهي التي لعبت الدور الأساسي وكان العامل الأمني عاملاً مساعداً في هذه العملية.
إن تجربة الانهيارات التي جرت في أوروبا الشرقية بعد ذلك، برهنت على أن قوى الإمبريالية وأعوانها طورت من أساليبها من أجل الاستيلاء على مقاليد الأمور، فهي إن لم تستطع بالمواجهة المباشرة الوصول إلى أهدافها، فإنها لجأت إلى أساليب المناورة والخداع، وقد استخدمت في هذه العملية أسلوبين بآن واحد:
الأول: دفع الأنظمة إلى إجراءات أمنية مبالغ بها ضد بعض المعارضين، وكانت تقوم بذلك نتيجة سوء تقدير أو بتوريط من بعض القوى بداخلها التي تبين فيما بعد أنها مشبوهة ومرتبطة.
الثاني: الاستفادة من ذلك عبر حملة إعلامية عالمية منسقة لتصنيع أبطال اصطناعيين ووجوه بديلة يجري الاعتماد عليهم لاحقاً لإدارة عملية الانهيار والاستيلاء على السلطة، وفي مثالي بولونيا (فاليسا) وتشيكوسلوفاكيا (هافل) أفضل دليل على ذلك.
أي بكلمة أخرى، إن اعتماد الإجراءات الأمنية في معالجة قضايا سياسية معقدة وهامة، سيفضي حتماً إلى نتائج مخالفة تماماً للمتوخى منها.
واضح لكل ذي بصيرة أن إعلان دمشق - بيروت لن يلقى أي دعم شعبي جماهيري لا في سورية ولا في لبنان، لأنه أيد مسبقاً قرار مجلس الأمن 1680 الذي يتضمن خطوة إلى الوراء بالمعنى التاريخي بالنسبة للعلاقة بين الشعبين بخصوص الترسيم والعلاقات بين البلدين، والمطلوب الرد على هذا الإعلان بفضح مراميه سياسياً عبر حوار واسع مع الجماهير يؤدي إلى عزل القائمين عليه بالمعنى السياسي. ولكن الذي جرى حتى الآن لم يسر في هذا الاتجاه، واكتفيَ باعتقالات سياسية غير مفهومة أدت عملياً للترويج للإعلان السيء الذكر.
إن أي نظام هو نظام قوي بقدر مايقنع شعبه ويعبئه ويحشده في القضايا المصيرية، وبقدر مايهيأ له ظروف المشاركة الواسعة في الدفاع عن الوطن، فمهمة الدفاع عن الوطن وسيادته هي مهمة الشعب بالدرجة الأولى، ولن يستطيع أحد، لانظام ولامؤسسات ولا أشخاص، كما برهنت التجربة، أن يقوم بتنفيذ هذه المهمة بالنيابة عنه. وفي ذلك ضمانة لتعزيز كرامة الوطن والمواطن.