الافتتاحية اقتصاد المواجهة

تتحول الجبهة الاقتصادية في البلاد وبخاصة من خلال محاولة زعزعة استقرار الليرة السورية إلى عنصر أساسي من عناصر الهجوم المركب الذي تعتمده الإدارة الأمريكية في هجومها الشامل على سورية، استكمالاً لمخطط الشرق الأوسط الكبير، هذا الهجوم الذي يستخدم – في آن واحد - أدوات عديدة: إعلامية، دبلوماسية، سياسية وحتى عسكرية إذا لزم الأمر.

وإذا كان تقرير ميليس وقرار مجلس الأمن عنصراً دبلوماسياً وإعلامياً وسياسياً في هذا الهجوم، فإن ما سمي بإعلان دمشق هو عنصر سياسي داخلي بامتياز في المنحى نفسه. لذلك تصبح الجبهة الاقتصادية ووضع الليرة السورية عنصراً هاماً في هذه العملية التي يجب، ويمكن إحباطها.

تبين وقائع الأسابيع الأخيرة أن الليرة السورية كمعيار لاستقرار الاقتصاد السوري أصبحت مهددة بجدية. وهي إذا ما اهتزت و انخفضت قيمتها، ستؤثر بشكل حاد على مستوى معيشة الجماهير، وهو أمر يجري الضغط باتجاهه اليوم من أجل خلق استياء شعبي يمكن لقوى معينة أن تستند إليه في اللحظة المناسبة، ومع أن تراجع الليرة السورية في الفترة الأخيرة لم يكن كبيراً، إلا أن ارتفاع أسعار المواد الأساسية قد سبق هذا التراجع بكثير، وهو مؤشر يجب أخذه جدياً بعين الاعتبار، وخاصة إذا اشتد الضغط أكثر على الليرة. فما هي عناصر استقرار الليرة السورية حتى الآن:

1 – ميزان مدفوعات يغطي الخلل في الميزان التجاري بسبب الإنتاج النفطي.

2 – وجود احتياطي جيد من العملات الصعبة يسمح بالدفاع عنها، ودور مركزي للدولة في التحكم بسعرها.

أي أن مركز ثقل حماية الليرة السورية حتى هذه اللحظة لا يكمن في بنية الاقتصاد والإنتاج وطريقة توزيع الدخل الوطني في المجتمع، بقدر ما يكمن في العناصر الآنفة الذكر. وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار السيناريو الأسوأ في حال صدور عقوبات دولية تمارس حصاراً نفطياً ومالياً على سورية، فإن عناصر القوة السابقة ستسقط من تلقاء نفسها.

من هنا وجوب وضرورة التعامل مع الوضع الاقتصادي ليس من منطلق سياسات انفتاحية تخفض دور الدولة، بل من خلال سياسات مبنية على منطق المواجهة التي تتطلب إصلاحاً اقتصادياً حقيقياً، يدعم الوضع الاقتصادي بمجمله، ولا يدعه تحت تأثير عوامل خارجية.

والمخطط على الأرجح، أن يجري الضغط بإحداث انهيار سريع في سعر صرف الليرة السورية في حال تجميد احتياطيات العملة الصعبة السورية في الخارج،و في حال المضاربة بالكتلة النقدية السورية في الأسواق المجاورة إضافة إلى توقيف تصدير النفط السوري وبالتالي توقف موارده.

ولمواجهة ذلك لابد من إعادة النظر بالسياسة الاقتصادية المتبعة، والواضح أن القضية الاقتصادية هي قضية جدية إلى درجة أنه لا يجوز  تركها للاقتصاديين وحدهم كي يقرروا مصيرها، وخاصة إذا كان هؤلاء الاقتصاديون يغلب عليهم الطابع الليبرالي، مما سيجعل الاقتصاد الخاصرة الرخوة في المواجهة القادمة.

إن اقتصاد المواجهة يتطلب السير بالإصلاح الاقتصادي سريعاً بالاتجاه الذي يخدم مصلحة الصمود الوطني ومصلحة الجماهير الشعبية.

و أول ما يتطلبه هذا الأمر هو ضرب مواقع الفساد الكبرى التي تستنزف الاقتصاد الوطني، بل وتتحول إلى عنصر ضاغط سلبي أساسي على الليرة السورية في تحويلها المستمر لنتاج نهبها إلى دولارات تجمعها في الداخل، وتخزنها في الخارج.

كما يتطلب الحد من الإجراءات المصرفية والنقدية التي ظاهرها تطمين الرساميل الخاصة وباطنها إضعاف دور الدولة في التحكم بسعر صرف الليرة، وزيادة الضغط عليها.

إن ليرة سورية قوية بحاجة إلى اقتصاد قوي، والاقتصاد القوي لا يستقيم بتوزيع غير عادل للثروة، يلقي بثقله المتزايد على مستوى معيشة الجماهير الشعبية.

إن الإجراءات الحكومية بالنسبة للوضع الاقتصادي حتى الآن، لم ترتق إلى مستوى الضرورات التي يفرضها منطق الدفاع عن الاقتصاد الوطني في ظروف المواجهة.

إن الذي سيقرر وضع الليرة السورية، وبالتالي وضع الاقتصاد السوري لفترة طويلة هو الذي يتحكم بالكتلة الرئيسية فيه.

 

إن المطلوب ليس تراجع الدولة لصالح قوى السوق الكبرى، وخاصة في المجال المالي والمصرفي، وكذلك ليس المطلوب الحفاظ على دور الدولة السابق الذي تستفيد منه إلى حد كبير قوى الفساد الكبير، بل المطلوب هو دور جديد يتحكم بالروافع الاقتصادية والمالية الأساسية ضد مصالح قوى المال والفساد الكبرى التي هي نقاط الارتكاز الأساسية للعدو الخارجي وفي ذلك صيانة لكرامة الوطن والمواطن.