لا لمشروع قانون الانتخابات
صدر في الأسبوع الأخير مشروع قانون الأحزاب ومشروع قانون الانتخابات، وإذا كان يمكن اعتبار الأول خطوة في الاتجاه الصحيح بشكل عام، إلاّ أن مشروع قانون الانتخابات قد سار في الاتجاه المعاكس، ولم يعكس ولو بشكل قليل، الملاحظات المبدئية التي أبديت عليه خلال الفترة الماضية..
فهذا المشروع هو القانون القديم نفسه من حيث المبدأ مع بعض الرتوش التي لا تغير في جوهر الأمر شيئاً.
فالقانون القديم اعتبر كل محافظة دائرة انتخابية، والمشروع الجديد سار في الاتجاه نفسه.
والقانون القديم اعتمد مبدأ النجاح على أساس الأكثرية، والمشروع الجديد لم يخرج عن هذا الإطار.
وتجاوز المشروع الجديد القانون القديم، حيث قونن مدة الانتخابات على مدى يومين، بينما النسخة القديمة كانت تسمح بالتمديد إذا لم تتجاوز نسبة المقترعين 50% من عدد الناخبين في اليوم الأول، وكأنه يؤكد أن عدد المقترعين هو حتماً تحت سقف الـ50% من الناخبين.
المشكلة الأساسية أن القانون القديم لم يتغير من حيث منطقه ومنهجه على مدى أكثر من خمسين عاماً، وفي حال بقيت الأمور على حالها فإن عمره سيطول ليضرب أكبر رقم قياسي في عمر القوانين الانتخابية في كل العالم في العصر الحديث.
ومن هنا، حينما نتكلم اليوم عن الأزمة العميقة الشاملة التي تعيشها البلاد، وعن أسبابها المختلفة، فإن هذا القانون العتيد له حصة لا بأس بها في أسباب هذه الأزمة وجذورها العميقة.. فهو قد خلق حالة اغتراب وطلاق بين الناخب وممثله، وأنتج في نهاية المطاف هيئة تشريعية لا حول لها ولا قوة.. وتقع تحت وصاية السلطة التنفيذية، ما يفقدها دورها الرقابي من جهة، ودورها التمثيلي الشعبي من جهة ثانية.
لقد تكيفت قوى جهاز الدولة على مدى عقود مع هذا القانون طويل العمر، واستطاعت أن توصل إليه المرشحين الذين يحظون برضاها فقط قبل أن يحظوا برضا المجتمع والشارع السوري، ما مكنها من تخفيض السلطة الرقابية على نفسها حتى الحد الأقصى..
كما تكيفت مع هذا القانون القوى الكبرى للمال، التي استطاعت بسبب تعقيداته أن توصل نفسها، وأن تمنع وصول صوت الشعب الحقيقي إليه.
وحينما ستدرس الأزمة الحالية في المستقبل فلن يستطيع الباحثون إلا أن يؤكدوا أن قانوناً كهذا، صنع هيئة تشريعية كالتي كانت موجودة، كان أحد الأسباب الأساسية لانفجار الاحتجاجات والاضطرابات بالشكل الذي حصلت فيه، لأنه تحول إلى قناة مغلقة بين المجتمع والدولة، ما أدى إلى تراكم المشاكل وازدياد منسوب الاستياء وانفجار الأزمة الوطنية العميقة الشاملة.
إن الإصرار على قانون الانتخابات القديم هو بجوهره إصرار على إجهاض مشروع الإصلاح الجذري الشامل.
وأيضاً، إن الإصرار على قانون الانتخابات القديم هو بجوهره إغلاق للطريق أمام المخرج الآمن، الأقل كلفة، من الأزمة الحالية.
كما أن الإصرار هذا يعني تأريض وتكتيف وإفشال مشروع قانون الأحزاب الجديد الذي سار من حيث المبدأ بالاتجاه الصحيح.
وأخيراً، فإن الإصرار على المنطق القديم في قانون الانتخابات، يعني محاولة إغلاق جميع طرق التعبير الحقيقية والسلمية أمام الشارع، ودفعه دفعاً للاستمرار بالاحتجاجات بأشكاله المختلفة المرخصة منها وغير المرخصة.
إن القانون الانتخابي الساري المفعول الذي يجعل المحافظة دائرة واحدة، فيها وسطياً لا أقل من ألف مركز انتخابي، يعني فتح الطريق واسعاً أمام ممثلي جهاز الدولة وممثلي القوى الكبرى للمال للسيطرة على أهم سلطة في البلاد، وقطع الطريق أمام المجتمع من جهة أخرى لإيصال صوته بشكل مستمر.
إن المشروع الجديد للقانون الانتخابي هو قديم بحلة جديدة، وهو خطأ يجب تصحيحه، وهو من تلك الأخطاء التي يمكن مع الوقت أن تتحول إلى جريمة تقترف بحق البلاد ومستقبلها.
إن الجديد الحقيقي في هذا المجال هو قانون انتخابات يعتمد مبدأ النسبية، ويضمن وصول كل ممثلي المجتمع الحقيقيين إلى سدة السلطة التشريعية، معتمداً سورية كدائرة انتخابية واحدة، ما سينشط الحياة السياسية والحزبية ويجعل لقانون الأحزاب الجديد معنى.. إذ أنه دون قانون انتخابات يتناسب معه ويرافقه فإن المخرج الآمن من الأزمة الحالية سيضيق، ويصبح أكثر صعوبة وأطول زمناً مع كل الخسائر المادية والبشرية التي يحملها خيار كهذا.. وما يمكن أن يسببه من إضعاف لدور سورية الوطني في المنطقة في مواجهة المخططات الأمريكية- الصهيونية التي تستهدف وحدة بلدان المنطقة وشعوبها.