الحــوار بوصفه أحد أشكال الصراع..
جاء اللقاء التشاوري أدنى من آمال من تأملوا منه حلاً للأزمة الوطنية الراهنة، سواء كان ذلك في بيانه الأول، البيان قبل التعديل، أو حتى في بيانه الثاني الذي وإن كان أكثر إيجابية، لكنه عكس في النهاية محصلة القوى المشاركة فيه، والتي أسهم في ضعفها غياب ممثلي الحركة الشعبية من جهة، واحتكار النظام لمعظم مقاعد الحوار من جهة أخرى. وهنا نعيد قراءة مفهوم الحوار ليس في مستواه النظري العام، ولكن بملموسيته ومعناه في الواقع السوري، لنجيب على السؤال الأهم: كيف يمكن الخروج من الأزمة الراهنة؟ وما دور الحوار المزمع عقده في ذلك؟..
تبين الطريقة الإعلامية التي يتم انتهاجها في التعاطي مع مسألة الحوار أن ما هو أخطر من بقاء المادة الثامنة من الدستور هو استمرار عقلية المادة الثامنة، فقد حجبت الجلسة الثانية عن الإعلام تحت مسمى «ردود البعثيين»، وقدم هذا الأمر على أنه شكل من أشكال تواضع النظام في عرضه المباشر لآراء المعارضين وبالمقابل التكتم على ردوده عليها! ليبرز السؤال: هل ما يزال البعث بعد كل ما حدث يعتبر نفسه الممثل الوحيد للشعب السوري؟ ومن قال إن الناس لا تريد سماع ردود البعثيين؟!. علنية الحوار لا تعني (فش خلق) المعارضين، ولكنها تعني عرض الصراع الحاد بين الآراء المختلفة أمام الشعب السوري وبشفافية عالية، لكي يقرر السوريون ما الذي يريدونه وما الذي لا يريدونه. ويعني أيضاً أن الشعب يريد محاسبة جهاز الدولة، لأن القاعدة الصحيحة تقول: جهاز الدولة هو موظف عند الشعب يسهر على راحته، فالشعب هو من يدفع لجهاز الدولة أجوره، وله كامل الحق في توجيه الإنذارات له عندما يحيد عن جادة الصواب، وله كذلك كل الحق في أن يصلحه وربما يعزله إن كان عصياً على الإصلاح.
إن خطورة المرحلة التي تمر فيها سورية تجعل من سياسة «بوس الشوارب» نافلةً لا عمل لها، فاليوم هناك مجرمون يجب الاقتصاص منهم، أولئك المجرمون هم الفاسدون الكبار أصل الشرور كلها، ومن يريد الحديث عن سلفيين ومخربين فعليه قبل ذلك أن يجيب على سؤال: من سمح للبترو-دولار بالدخول إلى سورية؟ وما الثمن الذي قبضه على ذلك؟ ومن سمح للوهابية بالدخول إلى سورية؟ ومن عزز احتقان وتهميش المواطن السوري الذي لم يعد لديه الوقت أو الدافع ليقرأ أو يتثقف؟ من رفع نسب الفقر من %30 إلى أكثر من %40؟ ومن أضعف الليرة السورية وجعل تضخمها يتجاوز %300؟...
إذا كان الإعلام الرسمي متمسكاً بنظرية المؤامرة بالطريقة الشكلية التي يقدمها حيث جهاز الدولة هو الملاك البريء الذي تستهدفه كل قوى وشرور الأرض، فإن الوعي السياسي للشعب السوري لن يصدق المؤامرة بشكلها التلفزيوني.. المؤامرة الخارجية موجودة دائماً ولكنها دائماً ما تدخل عبر رأس حربتها في الداخل السوري، أي عبر الفاسدين الكبار في جهاز الدولة وأدواتهم المختلفة التي لطالما حاربت وعذبت وامتهنت كرامة أي سوري يتجرأ على انتقاد «الحرامية» الكبار، وهي اليوم تمارس عسفاً وانتهاكاً لمفهوم الحوار نفسه، وتضيّق إمكانيات الخروج الآمن من الأزمة، وهذا على التوازي مع دعاية إعلامية ضد المغرضين والمتآمرين!!
أليس تآمراً أن يُشتم المرء في فرع الأمن شتائم طائفية؟.. كل من يعتقد أن عضلاته كافية لحسم الصراع الحاصل في سورية بشكله الوهمي بين مع أو ضد، إنما يأخذ البلد إلى الهاوية، وليتذكر كل من يظن في نفسه قوة هائلة أن الآخر لديه أيضاً قوته، وأن شكل التخندق الذي يدفع ويشحن ويحرض نحوه ما يسميه النظام الإعلام المغرض، وهو فعلاً مغرض، هو نفسه شكل التخندق الذي يعمل عليه الإعلام الرسمي.
إن أشكال الفرز الوهمي التي يتحامى بها الفاسدون والمخربون في كلا الخندقين لن تأخذ سورية إلا إلى الهاوية.. عدونا واضح كالشمس.. عدونا هو الأمريكي والصهيوني وامتداداته الداخلية المتمثلة بالفساد الكبير، الذي على الشرفاء في جهاز الدولة وفي المجتمع - وهم كثر - أن يضعوا أصابعهم في وقاحة عينه، ويوحدوا %90 من الشعب السوري ضد تجسيد المؤامرة, ضد %10 أو أقل هم الفاسدون والمعتاشون على امتصاص خيرات البلد وتعب الناس..
المعركة واضحة تماماً ولا تقبل التأويل، والحوار هو جزء من هذه المعركة، ولكي يستطيع الحوار أن يصب في خانة المعركة الوطنية الحقيقية وليس في تخندق الاقتتال الداخلي فعليه أن يستند إلى ما يلي:
1- البحث الجاد والمسؤول عن ممثلي الحركة الشعبية، وآلية هذا البحث هي في الدرجة الأولى التغطية الصادقة للمظاهرات الجارية، وما يضير الإعلام الرسمي أن يظهر المظاهرات التي تقول: الشعب يريد إسقاط النظام؟، هل يعمل الإعلام بفلسفة مثالية ذاتية تعتبر أن عدم رؤيتها للمظاهرات تعني عدم وجودها؟!. إن على الإعلام أن يفتح منابره ليس فقط لمن يريد القول: «عن أية حرية يتكلم هؤلاء؟» بل عليه أن يفتح منابره أيضاً لأولئك الذين يطالبون بالحرية لكي يقولوا مطالبهم..
2- كف يد الأجهزة الأمنية نهائياً وفوراً عن قمع المظاهرات، واستبعاد العقلية الأمنية في التعامل مع ما يجري..
3- الإفراج الفوري عن جميع المعتقلين على إثر الأحداث وهم بالآلاف، وعن معتقلي الرأي..
4- المحاسبة العلنية والسريعة لمن ثبت تورطهم في إراقة الدم السوري