ما وراء العربدة الدبلوماسية؟
الحقيقة الأولى التي يجب أن تُذكر عند الحديث عن زيارة السفير الأمريكي إلى مدينة حماة، هي أنها تدخّل سافر في الشأن الداخلي السوري، وهو ليس الأول بطبيعة الحال، ولكنه يرتقي هذه المرة إلى مستوى العربدة الدبلوماسية ، وهو بالتالي تصعيد استفزازي في طريقة التدخل، وأقبح ما في هذا التدخل انه جاء من بوابة استغلال المشاعر الإنسانية لذوي الضحايا والجماهير الشعبية في كرنفال الدم القائم في البلاد على خلفية الحلول الأمنية العقيمة بالتعاطي مع الحراك الشعبي.
صدق من قال «ما أفصح القحباء حين تحاضر في العفاف».. المضحك والمبكي حقا، أن تنبري جهة تمارس الجريمة الموصوفة في الكثير من بقاع الأرض، وتنضح بالدم من قمة الرأس حتى أخمص القدمين، بالدفاع عن أبناء وطن كان وما زال ضحية مباشرة لمشاريع تلك الجهة، وإذا تحلينا بالمنطق المجرد عن الموقف السياسي فلا غرابة أن نجد هذا السلوك الاستفزازي من جانب (سعادة السفير)، فالرجل يعبر عن مصالح بلاده، ولكن ما يثير الكثير من علامات الاستفهام هو كيف استطاع سفير دولة معادية على طول الخط، وفي ظرف حساس، الوصول في رابعة النهار إلى إحدى أكثر المناطق توتراً في البلاد؟؟
منطقياً يمكن أن نفترض أحد أمرين:
إما أن السفير استطاع الوصول إلى حماة خلسة, دون علم الأجهزة المختصة، والأجهزة الأمنية التي تستطيع كما هو معلوم أن تحصي أنفاس المواطن السوري، فما بالك بسفير أجنبي، وهذا ما يستوجب المحاسبة المباشرة والعلنية على الخلل الواضح في أدائها في قضية تتعلق بالأمن الوطني
أو أن هناك من غض البصر عن الزيارة, ليحاول من خلالها تمييع الحراك وتشويه صورته أمام الرأي العام، وإثبات نظرية أن الحراك الشعبي «مؤامرة» خارجية.
وبكل الأحوال فان الرد الحقيقي على هذه العربدة لا يكون بالاستنكار والتنديد فقط، بل هو برد التدخل الخارجي على أعقابه، والذي سنجد أشكالا متعددة له لاحقا بكل تأكيد، والسبيل الوحيد إلى ذلك هو ملاقاة المطالب الملحة للحركة الشعبية عبر إصلاح جذري شامل يؤدي إلى تغيير نوعي في بنية النظام السياسي في البلاد، ويفتح الآفاق أمام بناء مواطن حر في وطن حر لا يقبل دروساً في الديمقراطية والحرية من أحد.