ملاحظات على مشروع قانون الأحزاب
يمكن اعتبار طرح مشروع قانون الأحزاب للنقاش خطوة إيجابية في اتجاه إعادة إحياء الحياة السياسية في سورية.. وها نحن نشارك في هذا النقاش ونورد ملاحظات في ثلاثة اتجاهات:
أولاً: دون الأخذ بكل المقترحات الجدية التي يقدمها المناقشون بعين الاعتبار يصبح النقاش ترفاً لا لزوم له، ومن المهم أن يصدر القانون بعد تعديله بموجب المقترحات المقدمة واضحاً لا لبس فيه، وغير قابل للتأويل بحيث يجري تطبيقه دون حاجة إلى ما تسمى بالتعليمات التنفيذية التي تضعها عادة السلطة التنفيذية في معرض تنفيذها للقوانين، والتي قد تتضمن أموراً لم ينص عليها القانون نفسه لا صراحة ولا تلميحاً، وإلا أضحت هذه التعليمات جزءاً من القانون الذي أقر برلمانياً، وأقرت هي تنفيذياً، وهذا تضارب غير مقبول تشريعياً.
ثانياً: إن إقرار تشريع يقونن عمل مكونات الحياة السياسية المجتمعية في سورية, يقتضي وجوب تعديل الدستور, بحيث ينص فيه على حق الشعب السوري بتأسيس أحزاب سياسية متساوية في الحقوق والواجبات, من خلال مبدأ سيادة القانون, ويكون تشكيل الأحزاب السياسية حقاً يصونه الدستور, واعتماد مبدأ الفصل بين السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية, دون أية هيمنة تذكر للسلطة التنفيذية على باقي السلطات, بما فيها السلطة الرابعة أي الصحافة الحرة، فدون مبدأ الفصل بين السلطات, ستعود الحياة السياسية إلى الموات، ولو كان قانون الأحزاب الذي سيقر من أفضل القوانين في العالم.
ثالثاً: إن نص المادة السابعة من المشروع, فيه هيمنة للسلطة التنفيذية على الحياة السياسية, فقد نصت على إنشاء لجنة شؤون الأحزاب من وزير الداخلية رئيساً، وهو ممثل لـ«السلطة التنفيذية» وحزبي حكماً, ومعه نائب رئيس محكمة النقض وثلاثة من الشخصيات المستقلة أعضاء, لذلك فإننا نرى أن الموافقة على تأسيس الأحزاب كقضية مصانة بقوة الدستور مشابهة لسن القوانين, التي هي مهمة السلطة التشريعية, وبالتالي يمكن أن تكون هذه اللجنة من ضمن اللجان التي يشكلها مجلس الشعب, حتى ولو كان أعضاؤها من الأحزاب الممثلة في المجلس, تكون مهمتها البت بطلبات تأسيس الأحزاب, باقتراح ترفعه إلى مجلس الشعب الذي يقوم بدوره بقبول أو رفض التأسيس, وفي حال الرفض فإن القضاء هو الذي يقرر نهائياً بقبول أو عدم قبول التأسيس من خلال المحكمة الدستورية العليا, المكونة أساساً من قضاة مستقلين غير ملتزمين بأي حزب من الأحزاب الموجودة.
أما مضمون عمل هذه الهيئة, فإن الصلاحيات المعطاة لها بموجب القانون تجعل منها هيئة قيادية, أعلى من الهيئات القيادية للأحزاب نفسها, وكأن هذه الأحزاب موجودة في مدرسة وهذه الهيئة مديرة لها, وقد أعطاها مشروع القانون حق التدخل في كل شاردة وواردة في الحياة الداخلية لعمل هذه الأحزاب..
الإيجابيات الواردة في مشروع القانون
من الإيجابيات, ما ورد بالمادة 14التي نصت على قيام الدولة بتقديم الإعانات المالية للأحزاب, والمادة 21 نصت على أوجه الصرف لأموال الحزب, والمادة 22 حول متابعة لجنة الأحزاب لإيرادات ومصروفات الحزب, والمادة 24 اعتبرت أموال الحزب في حكم الأموال العامة واعتبار المشرفين على شؤون الحزب في حكم الموظفين العموميين, والمادة 25 أعفت المقار والمنشآت المملوكة للحزب وأمواله من جميع الضرائب والرسوم, والمادة 26 اعتبرت مقرات الحزب ووثائقه ومراسلاته ووسائل اتصالاته مصانة, والمادة 27 منحت الأحزاب حق إصدار صحيفة, والمادة 28 دعت أجهزة الإعلام إلى تمكين جميع الأحزاب وبالتساوي من استخدام وسائلها, والمادة 30 منحت الأحزاب حق استخدام الأماكن العامة لممارسة النشاط السياسي بالتنسيق مع الجهات المختصة.. والمادة 14 الفقرة ب, التي نصت على أن أموال الحزب يتكون جزء منها من الإعانات المخصصة من الدولة, والمادة 16التي نصت على نسب الإعانة وشروط توزيعها, حيث نصت على أنه :« يتم توزيع المبلغ الإجمالي للإعانة المشار إليها في المادة السابقة بين الأحزاب على النحو الآتي:
« أ- %40 توزع على الأحزاب وفقاً لنسب تمثيلهم في مجلس الشعب..
ب- %60 على الأحزاب وفقاً لعدد الأصوات التي حاز عليها مرشحوه في الانتخابات التشريعية. ولا يمنح الحزب نصيباً من هذه النسبة إذا كان مجموع عدد الأصوات التي حاز عليها مرشحوه تقل عن %3 من مجموع الأصوات»..
ومع تأكيدنا وموافقتنا على نص هاتين المادتين, لكن تجب الإشارة إلى ضرورة استكمال هذا الأمر الإيجابي بأمرين اثنين: الأول ضرورة منح ممثلي الأحزاب في مجلس الشعب راتباً مجزياً, بحيث يتمكنون من تأدية دورهم في المجلس كممثلين للشعب السوري كافة وليس لأحزابهم فقط, أما الثاني فمن الهام كي يستطيع عضو المجلس متابعة ما يتوجب عليه من مهام أن يتم تعيين عدد من المساعدين له لا يقل عن أربعة, برواتب لا تقل عن الحد المتوسط للعيش, وهذا الأمر يمكن النص عليه إما في متن قانون الانتخابات أو في متن هذا القانون, بحيث يتحول ممثلو الأحزاب إلى ممثلين حقيقيين فاعلين, الأمر الذي سينعكس بشكل إيجابي على أداء مجلس الشعب, وتقويته كسلطة تشريعية فعالة تقوم بدورها في سن القوانين ومراقبة السلطة التنفيذية بجدية ووضوح تامين.
السلبيات الواردة في مشروع القانون
الأصل في الأمور الإباحة، ولا تحريم إلا بنص معلل، لذلك فإن ما جاء في المادة 14, فيه حد لا يجوز تجاوزه في التبرعات المقدمة للحزب, من دون بيان أسباب هذا المنع ومبرراته, لذلك نرى ضرورة حذف الفقرة (و) والفقرة (ز) من هذه المادة, وحذف المادة 17الي تنص على أنه «لا يجوز في جميع الأحوال أن يتجاوز مقدار الإعانة التي تقدمها الدولة وفقاً لأحكام المواد السابقة إجمالي الاشتراكات السنوية لأعضاء الحزب», لأنه لا مبرر لها, وللأسباب نفسها تحذف الفقرة (ج) من المادة 20 التي تنص على «إذا قبل الحزب أي تبرع أو هبة أو ميزة أو منفعة خلافاً لأحكام المادة (14)».
إن عبارة «الأنشطة التي تحقق أهدافه» الواردة في المادة 21 الفقرة (أ), جاءت مبهمة وغير واضحة, مثلا ألا يحق للحزب أن يقيم مسابقة للقصة أو للشعر أو أن يقيم معرضاً فنياً أو نشاطاً رحلياً وغيرها من النشاطات كدورة تمريض مثلاً, وهذه نشاطات قد لا ينص عليها النظام الداخلي، ولكنها تفيد العمل الجماهيري للحزب, لذلك نرى تعديلها إلى «النشاطات التي تتعارض وعمل الأحزاب ولا تفيد نشاطها».
أعطت المادة 27 الحق لكل حزب حق إصدار صحيفة واحدة فقط دون التقيد بالحصول على الترخيص, ولكن ماذا عن وسائل التعبير الأخرى, كالمحطات الإذاعية والقنوات التلفزيونية بما فيها الفضائية؟ نرى ضرورة النص عليها في متن هذه المادة أو إفراد مادة مستقلة لها.
نصت المادة 31 على الحالات التي يعتبر الحزب فيها منحلاً, ولكن ماذا عن حالة الانقسام, وهي من الأمور الواردة جداً في نشاط الأحزاب؟ هنا لابد من أخذ هذه الحالة بعين الاعتبار, عبر الإبقاء على الحزب الأم بما يتماشى مع أحكام مواد هذا القانون, ومنح الحق للأعضاء الآخرين بتأسيس حزب جديد بما يتوافق مع أحكام القانون أيضاً.
أخيراً نقول إنه حان الوقت لإعادة الروح للحياة السياسية في بلدنا, ولاشك أن إصدار هذا القانون بعد التعديلات فيه تمكين لقوى الجماهير الشعبية من التسلح بأفكارها, التي ستتحول إلى قوة مادية تساعدها في المساهمة في تقدم المجتمع السوري, وتحقيق العدالة الاجتماعية لكافة مكوناته.