بين المعارضة والنظام.. واقع الشعب السوري
ما انفكت القنوات الإعلامية الغربية والناطقة بالعربية تهاجم النظام السوري وتلومه على كل ما جرى ويجري في سورية، فالنظام وحده - حسب رأيها وإجماعها –هو من يتحمل المسؤولية عن مقتل وإصابة المدنيين والعسكريين والشرطة وقوات الأمن في الحراك, في حين تعتبر أنّ جميع الآخرين، في الداخل والخارج بريئون تماماً!
وإذا كنا لا ننفي المسؤولية المباشرة لبعض الجهات في النظام في قتل معظم المدنيين, لكن هل من الصواب رفع المسؤولية كلياً عن الجهات الأخرى، وعلى رأسها بعض الخلايا التخريبية داخل وخارج النظام التي ثبت بالأدلة والكثير من القرائن أنها تحاول الفتك بالبلاد.
دأبت بعض القنوات الإعلامية الرسمية والناطقة بالعربية على أخذ المواقف من هنا ومن هناك، فظهرت وجوه جديدة تنطق بالخطابين اللذين باتا الآن معروفين للجميع, خطاب النظام المعروف بمختلف جوانبه تقريباً، وخطاب المعارضة الخارجية مع بعض امتداداتها الداخلية، والتي يثير الخطاب الإعلامي, وغياب البرنامج السياسي المعلَن لجزء منها, تساؤلات تتعلق بوطنيتها, هذا فضلاً عن وضوح ارتباط الجزء الأكبر منها بأجندات خارجية, بناءً على موقفها من الصراع مع الإمبريالية والعدو الصهيوني.
يستنفر النظام السوري في الداخل ويبدو بحالة من التوتر وعدم الاستقرار، ويوحي في بعض ما انتهى إليه خطابه العام أنه بصدد إعادة النظر بالسياسات الليبرالية التي اكتشف متأخراً أنها ذات أثر مدمر للاقتصاد السوري وللحالة المعيشية، والمضي إلى سياسات يقول عنها إنها إصلاحية، لكنها حتى الآن ارتجالية ذات طابع غير مدروس، فالاكتفاء ببعض القرارات والمراسيم, التي تركز على التخفيف من المفاعيل المباشرة للتعقيدات التي خلفتها المعالجات الأمنية المزمنة والوحيدة الجانب للأزمات الاجتماعية, قديماً وحديثاً, لا يمكن أن يكون فعالاً.
تلتقط المعارضة الخارجية هذه المعالجات الأمنية المنشورة بمقاطع الفيديو ذات الأثر الكبير على شعور المواطن السوري, لتسخين أرضية الحراك الجماهيري عبر قنواتها الإعلامية, لأخذ الحراك الجماهيري إلى حالة الفوضى.
يقول النظام السوري إنه ممثل لأغلبية الشعب السوري وإن جل سياساته الاقتصادية والاجتماعية (برنامجه العام) وإصلاحاته السياسية بخدمة الشعب السوري، وإنه يريد أن يوصل السوريين إلى مستوى أعلى من التمدن والاستقرار خلال فترات متوسطة على حد تعبيره. إلا أنه هندس في السنوات الست السابقة على يد المهندس العطري الاقتصاد السوري على مقاس المصالح الخارجية، وقدمت هذه المصالح إلى القيادة السورية, والشعب السوري على أنها وصفة إصلاحية، وجرى الالتزام بجزء كبير منها فكانت النتائج كارثية، إذ ارتفعت معدلات التضخم والبطالة والفقر وانخفض مستوى التعليم والصحة وخصخص جزء هام منها. وتتبع المعارضة الخارجية نفس الأسلوب حيث تحمل هذه المعارضة وصفات المصالح الخارجية، فبحسب صحيفة «واشنطن بوست» قامت حركة العدالة والمساواة السورية وقناتها «بردى» الناطقة بالعربية بقبض مبلغ ستة ملايين دولار من الإدارة الأمريكية، وتلتزم المعارضة الخارجية باحترام المصالح الغربية، فمثلا عندما نسي العرعور وظيفته التي كلِّف بها وزلّ لسانه بالحديث عن أمريكا, صار مقدم الحلقة يغمز ويلمز له بالتوقف.
تدعي المعارضة الخارجية أنها خائفة على حقوق الشعب السوري المهدورة، إلا أننا لم نسمع منها ولو كلمة واحدة عندما رفعت حكومة العطري الدعم عن المازوت وحين حررت أسعار السماد وضربت الزراعة, وهجّرت الفلاحين وأسرهم من المنطقة الشرقية نحو المدينة, لتزداد أحزمة الفقر والبطالة والعشوائيات. أليس هذا هدرا لحقوق الشعب السوري في البقاء في أرضه؟
لم نسمع ولو كلمة واحدة حين فتحت الحدود للبضائع التركية والصينية وضربت الصناعة المحلية، أليس هذا هدراً لكرامة الشعب السوري؟ كما لم نسمع كلمة واحدة عن قضية الجولان السوري المحتل منذ 44 عاما, وكأن الحرية لا تتضمن تحرير الأرض والسيادة الكاملة, أليست هذه إهانة للشعب السوري. إذاً في الشق الاقتصادي -الاجتماعي وعلى مستوى خدمة المصالح الخارجية في هذا المجال نرى تشابها كبيرا بين قسم من النظام وقسم من المعارضة، فالثنائية نظام - معارضة ليست صحيحة إذا أخذت كنقيضين بسيطين متعاكسين تماماً.
ومع كل ما رأيناه وما سمعناه لم نسمع أحداً يسأل الشعب السوري ماذا يريد؟ فمعظم من التقتهم القنوات الإعلامية من الداخل ومن الخارج, ومن التقاهم رئيس الجمهورية, لا يمثلون إلا أنفسهم أو أنهم من الذين أفسدوا في البلاد, أو غير المرغوبين شعبيا.
إنّ شعار «الحرية», بمعانيه الفضفاضة, يكون تقدمياً وطنياً عندما يحمل بوضوح المضمون الذي يحقق مصلحة الأغلبية الساحقة المستغلَّة من البشرية, ألا وهم الكادحون المنتجون, وبهذا المعنى بالتحديد لا يمكن إلا أن يشمل ضمنا الحرية من الظلم والاستعباد والاستغلال, والحرية من عصا الجلاد الغليظة, وسيف الرقيب الحاد. إلا أن هذا الشعار لا يكفي وحده حتى يشكل تغيرا نوعيا في الساحة السورية.
ونتيجة للتسخين الخارجي والداخلي حمل السوريون شعارا أكبر من حالتهم الجماهيرية وهو «إسقاط النظام». هذا الشعار لا يريح الكثير من السوريين الذين يخافون تكرار النموذج العراقي, نموذج الفوضى اللاخلاقة, أو النموذج الليبي, وخاصة بعد اجتماع أنطاليا للمعارضة السورية, والذي يذكّر السوريين بنفس الاجتماع للمعارضة العراقية في أنطاليا عام 2002. ولذلك أعتقد أنّ الوضع الحالي يرتب علينا تحمل مسؤوليات وطنية عالية في صياغة نموذج وطني للتغيير بناء على متطلبات الشعب في الحرية والعدالة الاجتماعية, وصياغة شعارات واضحة وحاسمة تقوم على هذا الأساس.