الافتتاحية اعتدال آل سعود و«إخوتهم»..
عندما رفض يوسف العظمة «إنذار غورو»، ورفع شعار المقاومة، سمي متطرفا ومغامرا من أولئك الذين ارتضوا لأنفسهم المهانة والاستسلام، وتبين فيما بعد أن الملك فيصل كان قد التقى حاييم وايزمان سراً، وسار في الاتجاه الاستسلامي تحت عنوان الاعتدال في خدمة التحالف الفرنسي – الانكليزي – الصهيوني.
وعندما قام عبد الناصر بتأميم قناة السويس اتهم كذلك بـ (المغامر)، ولكن عندما وصل السادات إلى الحكم بعد مقتل عبد الناصر أسبغت عليه أوصاف مثل: «الرئيس المؤمن» و«رجل السلام» خصوصا بعدما قال لوزير خارجية أمريكا هنري كسنجر: «إن حرب 1973 هي آخر الحروب ضد إسرائيل»، و«99% من أوراق الحل بيد أمريكا»...
وعندما نهضت المقومة اللبنانية بوجه الاحتلال الصهيوني للبنان عام 1982، تقدم الأمير فهد بن عبد العزيز في قمة فاس بمشروع «تسوية مع العدو الصهيوني والذي كان الأساس للمبادرة العربية» في قمتي بيروت والرياض، وكان قد سبق القمة الأخيرة وصف المقاومة بالمغامرة، وتلا ذلك تقسيم العالم العربي إلى معسكرين: أحدهما تقوده السعودية وأخواتها، وهو معسكر «الاعتدال»، والآخر معسكر «المتطرفين» أي المقاومين في سورية ولبنان وفلسطين والعراق والشارع العربي الذين فرض التحالف الامبريالي ـ الصهيوني عليهم المواجهة، ولذلك أعلنوا خيار المقاومة كطريق وحيد للدفاع عن الوطن وإلحاق الهزيمة بالغزاة الجدد.
في حقيقة الأمر نجد أن ما يسمى بمعسكر الاعتدال وعلى رأسه السعودية، يشعر بالهزيمة من الداخل، وتحول إلى أدوار تنفيذية تمليها واشنطن على دوله لإنجاح المشروع الامبريالي ـ الصهيوني في المنطقة بعد احتلال العراق، وقد تطور دور السعودية وأخواتها بعد هزيمة عدوان تموز 2006 إلى المشاركة في تحالف أميركي ـ إسرائيلي ـ عربي ضد إيران علناً، وضد المقاومة في فلسطين ولبنان والعراق، وضد سورية ضمناً. ولاشك أن الدور الذي لعبته السعودية ومن والاها في قمة الرياض وفي اجتماع وزراء الخارجية العرب الأخير، وفي لقاء شرم الشيخ مع الوزيرة رايس، وغياب السعودية عن لقاء دمشق حول العراق، وتأييدها المطلق لحكومة السنيورة في لبنان، كل ذلك يؤكد أن التحالف الإمبريالي ـ الصهيوني ـ الرجعي العربي قد انتهى من مرحلة التحضير للعدوان على سورية ولبنان وإيران، فرادى أم مجتمعين.
وقد سبق لنا التأكيد أن المواجهة قادمة، وهذا يتطلب أن نكون جاهزين على مستوى المجتمع والجيش والدولة ليس فقط لرفع تكلفة الحرب القادمة على العدو إلى أقصى حد، بل من أجل النصر وتغيير مسار الصراع العربي - الإسرائيلي على الأرض، واسترجاع زمام المبادرة استراتيجياً في الميدان، وفي السياسة، وعند ذاك سيكون العدو هو من يقول: «آخ» أولاً، وسيرضخ لمتطلبات السلام العادل والشامل خصوصاً.
إن بنية المجتمع الاستيطاني الصهيوني لم تعد تحتمل أية هزيمة جديدة على جبهة الجولان بعد انتصار المقاومة الأسطوري في جنوب لبنان العام الماضي، ومن هنا فقد آن الأوان لتعبئة قوى المجتمع على الأرض، وقيام حكومة مواجهة قبل المواجهة، لأن حكومة غير قادرة على مقاومة رفع الأسعار، وبالتالي المساهمة في زيادة إفقار الفقراء وإثراء الأثرياء ناهبي قوت العباد وثروة البلاد، لابد من محاسبتها، وإسقاط سياساتها الاقتصادية ـ الاجتماعية، والمجيء بحكومة تلبي احتياجات المرحلة القادمة، وتعزيز ثقافة المقاومة الشاملة، ليس فقط من أجل تحرير الجولان كاملاً، بل لإلحاق الهزيمة بالمشروع الإمبريالي ـ الصهيوني في المنطقة، والذي سبق لتيودور هرتزل أن تحدث عنه قبل مئة عام قائلاً: «يجب قيام (كومنولث) شرق أوسطي يكون لدولة اليهود فيه شأن قيادي فاعل ودور اقتصادي قائد لجلب استثمارات والخبرة الفنية»!