الافتتاحية الدور الوظيفي لأنظمة «المعتلّين العرب»
لقد وصل عمق الأزمة الاقتصادية الأمريكية الداخلية، والتي هي أعلى تجلّ لأزمة الرأسمالية العالمية، إلى درجة غير مسبوقة، خصوصاً بعد بروز مؤشرات أسعار النفط والذهب وتوتر علاقة اليورو بالدولار كدلالة على شيء خطير يجري في العمق، لذلك لجأت الإدارة الأمريكية للهروب من الأزمة عبر تصديرها للخارج، واستخدام الخيار العسكري بأوسع أشكاله ومستوياته. ومن هنا أصبحت منطقتنا ساحة صراع رئيسية يتحدد فيها مصير العالم اليوم.
ولكن مع وصول الانتشار العسكري الأمريكي الخارجي إلى الحد الأقصى، بدأ المشروع الأمريكي يتعثر في سعيه نحو تحقيق الهدف الاستراتيجي، مما تطلب إدخال تعديل تكتيكي جديد على المخطط تجسّد في استدعاء القوة العسكرية الإسرائيلية في العام 2006 لخوض حرب عدوانية مكشوفة ضد المقاومة في لبنان، ومحاولة الإجهاز عليها، ثم إحياء مفعول «نظرية الدومينو»، أي الوصول إلى انهيار بقية دول المنطقة واستكمال تفتيتها جغرافياً وديمغرفياً.
لكن انتصار المقاومة الوطنية اللبنانية الأسطوري على جيش العدو الصهيوني قلب الطاولة، وعرقل سير المخطط بطبعته المنقحة، وفرض على التحالف الامبريالي ـ الصهيوني تأمين وقت مستقطع لإعادة تقييم التكتيك المطلوب دون التراجع عن الهدف الاستراتيجي.
وهنا جاء دور الاستعانة بزعماء دول «المعتلّين العرب» ليكونوا واجهة لحلف استراتيجي سياسي، وحتى عسكري أمريكي ـ إسرائيلي ـ عربي «من لون معين» ضد خيار المقاومة في أي بلد عربي، وضد إيران وسورية، في إطار المشروع الإمبراطوري الأمريكي ـ الصهيوني الرامي إلى السيطرة على المنطقة والدوائر الجغرافية المحيطة بها. ولعل أكبر الأدوات التكتيكية لتصنيع الحلف الاستراتيجي المعادي لشعوب هذا الشرق، هو الاجتماع الدولي الذي تدعو إليه واشنطن، والذي لاعلاقة له بحل القضية الفلسطينية أو قضية الصراع العربي ـ الاسرائيلي بوجه عام، ويؤكد ذلك رفض التحالف الامبريالي ـ الصهيوني إدراج قضية الجولان على جدول أعمال المؤتمر، وكذلك ماتسرب من معلومات عن تدريب طيارين من دول عربية عديدة بإشراف أمريكي من أجل ضرب مواقع وأهداف داخل إيران. ولاشك إن إصرار التحالف الامبريالي ـ الصهيوني، وانخراط «دول المعتلين العرب» في سيناريو الفتنة السنية ـ الشيعية، هو محاولة مكشوفة لتحويل مجرى الصراع في المنطقة من صراع عربي ـ صهيوني إلى صراع أمريكي- رسمي عربي - صهيوني ضد كل المقاومات والممانعات في المنطقة، مع كل مايحمله ذلك من أخطار تسعير وتفعيل الصراعات العرقية والطائفية والمذهبية في هذا الشرق.
وحتى تنجح واشنطن في تأمين الواجهة العربية الرسمية لاستمرار مشروعها السياسي والعسكري في المنطقة، يبقى أمامها العائق الأكبر، وهو محاولة إدماج سورية بهذا المخطط والمشاركة فيه، لذلك فإن مهمة العدوان المباشر على سورية أصبحت قضية مستعجلة اليوم خصوصاً بعد أن تعثر المشروع الأمريكي ـ الصهيوني في لبنان، وبعد أن عجزت آلة الحرب الصهيونية عن القضاء على المقاومة الفلسطينية في الضفة والقطاع المحتلين.
فأمام ما يجري في العراق وفلسطين ولبنان وعلى الحدود العراقية ـ التركية، وأمام الضغوطات والتهديدات بالعدوان المباشر على سورية وإيران، ليس هناك من خيار إلا خيار المقاومة الشاملة، وانتزاع زمام المبادرة الاستراتيجي، والانتقال من مواقع الدفاع إلى الهجوم، والاعتماد على الشعوب ضد التحالف الامبريالي ـ الصهيوني ـ الرجعي العربي. فالمقاومة تحفظ الأوطان، والمساومة تودي بها الى التفتيت والتبعية، وهذا ما لا تقبله شعوبنا بأية حال.