أليس هذا استقواءً آخر بالخارج؟؟

تصريحات النائب الاقتصادي السيد الدردري في لندن الأربعاء 9/11/2007، تثير الكثير من التساؤلات التي تتطلب إجابات واضحة، لأنها لا تضع فقط مصداقيته قيد البحث، وإنما أيضاً الحكومة التي يمثلها. فهو يقول: «اتخذنا القرار بالاندماج بالاقتصاد العالمي مهما كانت الكلفة»، ويضيف فوراً: «عادة، الدول التي تشرع في عملية الإصلاح، كالتي شرعت بها سورية تؤازرها شقيقة كبرى... لكننا في سورية من يؤازرنا؟ أعتقد أن المجتمع الدولي يفوت على نفسه فرصةً كبيرةً جداً ليكون شريكاً مؤازراً لأكبر وأكثر برنامج إصلاح تحدياً...».

هكذا تماماً.. لسان حاله يقول: بدأنا بالإصلاح الذي تريده الشقيقات الكبرى (احزروا من المقصود؟)، ولكنكم خذلتمونا ولم تؤازرونا رغم أننا مستعدون أن نقوم بما تريدون.
ألم يصبح مفهوماً حتى الآن، أن الشقيقات الكبرى، أي الغرب الإمبريالي، لا يقدم شيئاً، إلا إذا قبض ثمنه مسبقاً؟! وفي حالتنا، فإن أي دعم اقتصادي مشروطٌ بتنازلات سياسية مسبقة تمسّ جوهر القضية الوطنية، أي دور سورية الوطني ووزنها الإقليمي سياسياً.. لماذا؟ لأن إعادة هيكلة المنطقة سياسياً، ووضعها تحت حماية إسرائيل الصهيونية، هو الضمانة الحقيقية لعائدية أية استثمارات اقتصادية يمكن أن يقدم عليها الغرب «المترنح» تحت وطأة أزمته الخاصة، والتي تؤكد الأيام أنه لا مخرج منها سلمياً...
أي أن العقدة هنا، التي أصبحت مفهومة للجميع، هي: التحولات السياسية في المنطقة والتي اسمها الحركي: «الشرق الأوسط الكبير»، هي الضمانة الأمنية لأي تجاوب اقتصادي غربي مع أية عملية إصلاح مزعومة.
ولكن، إذا كان الإصلاح، إصلاحاً فعلاً، لماذا يتطلب ضمانة أمنية؟ لأنه بالذات ليس ذلك الإصلاح الذي تريده شعوب المنطقة لمصلحتها وخيرها، وإنما ضد مصلحتها وخيرها ولذلك مطلوب ضمانات سياسية وعسكرية له!
وأمام هذه الحالة من الإصرار على الاندماج مع الغرب «الفارط»، هناك تفسيران: إما أن السيد الدردري يستغبينا، لأنه يعتقد أن لا أحد سيفكّ ألغاز الرسائل المشفرة في كلامه، والتي في جوهرها هي استدعاء للدعم من الخارج، وإما، وهو الاحتمال الأحسن، «لا يفهم» لماذا تجري الأمور هكذا، وهو ما قاله حرفياً عندما أكد: «شراكتنا مع الاتحاد الأوربي تم تعليقها لأسباب حتى الآن (لا نفهمها)».
فإذا لم يفهم هو حتى الآن أسباب عدم إقامة هذه الشراكة التي كان داعياً متحمساً لها، معتبراً إياها في حينه القاطرة لفرض الإصلاحات التي يرفضها المجتمع السوري، فهذا شأنه، أما القوى الوطنية فكانت ترى في هذه الشراكة منذ البدء فخاً لجر سورية إلى معسكر المعتدلين العرب، وفي أحسن الأحوال مقدمة لإضعاف مناعتها، ومن ثم جرها إن ارتضت ذلك أو لم ترض.
والحمد لله أن القرار السياسي لم يكن، ويجب ألا يكون بأيدي أناس متهالكين على إرضاء الغرب (مهما كانت الكلفة)، هذا المنطق الساداتي الذي أسقطته الشعوب، ولفظته الأيام والتجارب... والخطير في منطق (مهما كانت التكلفة)، أنه يمكن أن يودي بصاحبه إلى تنازلات سياسية كبرى للوصول إلى الهدف المنشود، ألا وهو الإصلاح المزعوم الذي من منطلق طبقي محدد، يجب أن يخدم شرائح محددة أصبحت ترى خلاصها بالركوع أمام العدو الخارجي واستجدائه، خوفاً من شعوبها وحمايةً لمصالحها الضيقة.
لا نريد هنا معالجة واستعراض النتائج المبهرة التي حققها فريقه الاقتصادي خلال فترة زمنية قياسية، فهي لن تصمد أمام أي نقد جدي وتحليل، وخاصة إذا أخذنا عينة منها مخبأة في المجموعة الإحصائية لعام 2006 في صفحتها 321 والتي اعتبرت علناً أن تصدير المازوت (عفواً تهريبه) في قائمة تصدير القطاع الخاص قد بلغت 870 ألف طن بما قيمته 18.8 مليار ل.س، وقياساً على هذا الإنجاز، فعلى الإنجازات الأخرى السلام...
فهذا المثال هو خير إثبات على الطريقة التي تبنى عليها الأرقام والإنجازات الوهمية المختلفة...
وما يهمنا أخيراً، هو برنامج الدردري الذي سيغذ السير فيه في عام 2008، وهو حسب ما أعلنه من لندن:
1 – مواجهة العجز في الموازنة الذي تتسبب فيه سياسة الدعم المتبعة.
2 – الحكومة لا يمكن أن تستمر في دعم قطاع عام خاسر.
3 – لدينا 1.4 مليون موظف إنتاجهم ضعيف، سنجلس العام القادم لمناقشة هذا الموضوع بجدية.
4 – إعادة توجيه برامج التربية باتجاه السوق المفتوح (أين الإجتماعي؟) لتتلاءم مع سوق العمل.
وينهي كلامه بلغة المنتصرين قائلاً: سورية لن تتراجع عن قرارها بالانتقال إلى اقتصاد السوق (لم نفهم هنا: مفتوح، مغلق، أم اجتماعي)، وأخطر ما في هذا البرنامج أنه يجعل النتائج أسباباً، مغيباً بحركة التفافية سريعة الأسباب الحقيقية للعجز في الموازنة وفي وضع القطاع العام التي تكمن في السياسات الاقتصادية الحكومية الكلية التي تمنع الاستثمار الحقيقي، ولا تريد مواجهة الفساد الكبير الذي تحول إلى عائق أساسي للنمو، وعائق أساسي لمنع تدهور المستوى المعاشي للناس، في وقت أصبح هو بالذات (أي موارد الفساد التي يجب أن تمتلكها الدولة والمجتمع)، المصدر الرئيسي للنمو، ولتحسين معيشة المواطنين، وفي ذلك ضمانة لكرامة الوطن والمواطن.