بيان من الشيوعيين السوريين «أنابوليس» تمخَّض مسخاً
أصبح معروفاً أن الإستراتيجية العدوانية لواشنطن وتل أبيب تجاه الشعوب، وتجاه شعوب منطقتنا بوجه خاص، هي نقيض السلام على طول الخط، ولا تنفع معها أية مساومات أو تقديم تنازلات، لأن المشروع الإمبريالي الأمريكي ـ الصهيوني يستهدف السيطرة على المنطقة وتفتيت بنيتها جغرافياً وديمغرافياً والاستيلاء على ثرواتها بشكل مباشر.
إن الإمبريالية الأمريكية التي تعاني من أزمة حقيقية في العراق، والكيان الصهيوني الذي تلقى صفعة مدوية إثر هزيمة عدوان تموز، يريدان من لقاء «أنابوليس» استدعاء قوة احتياطية جديدة لتنفيذ مخططاتهما العدوانية اللاحقة، عبر إعادة ترتيب اصطفاف جديد للقوى بحجة حل القضية الفلسطينية، وقوامه أمريكا وإسرائيل ودول «الاعتلال» العربي، وهذا هو بالذات الهدف الحقيقي غير المعلن لاجتماع «أنابوليس»، أي خلق الأرضية لحلف ثلاثي عدواني جديد، مهمته ضرب المقاومة والممانعة بالحديد والنار أينما ظهرت من قزوين إلى البحر المتوسط.
فمنذ مؤامرة كامب ديفيد، وصولاً إلى احتلال العراق وحرب تموز 2006 على لبنان، لم تتغير الإستراتيجية العدوانية للتحالف الإمبريالي ـ الصهيوني والتي على رأس أولوياتها:
ـ تصفية القضية الفلسطينية والحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني في العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية.
ـ السيطرة المباشرة على النفط.
ـ إخماد خيار المقاومة في أي بلد من بلدان المقاومة وتسعير الصراعات العرقية والطائفية والمذهبية وصولاً إلى تفتيت بلدان المنطقة مجتمعةً أو كلاً على حدة.
يدرك السوريون جيداً أن الموافقة المتأخرة لسورية على المشاركة بلقاء «أنابوليس» بعد إدراج قضية الجولان المحتل على جدول الأعمال، جاءت نتيجة لضغوط متواصلة عربية ودولية، لم تتوقف طوال الشهرين الماضيين، كان آخرها الزيارات غير المنتظرة لعدد من الزعماء والمبعوثين، ويدركون أيضاً أن المشاركة بطاقم دبلوماسي من الصف الثاني له دلالاته السياسية الداخلية والخارجية، وهم يدركون ألا رهانات ولا أوهام (رسمية) على المؤتمر ومفاوضاته ونتائجه، ورغم ذلك كله فإن خيبةً كبيرة أصابتهم عند إعلان الموافقة على الذهاب إلى ولاية ميرلاند في اللحظات الأخيرة.
إن العداء الشعبي في سورية لسياسات الولايات المتحدة الأمريكية ولوجود وجرائم العدو الصهيوني ما يزال على أشده، بل إنه يترسخ ويصبح أكبر وأعمق كلما ازداد الحديث عن المفاوضات والتسويات السلمية، إذ أصبح المثال المحتذى والقدوة الأولى للجميع في مواجهة الكيان الصهيوني هو نموذج المقاومة اللبنانية الباسلة التي مرغت أنوف الصهاينة وداعميهم بالوحل، وأنعشت الآمال بهزيمة كبرى ونهائية للمشروع الصهيوني.
إن جماهير شعبنا التي قدرت عالياً رفض سورية في جنيف عام 2000 التنازل عن بضعة أمتار شرق بحيرة طبريا، وكذلك المقولة الصحيحة التي تقول: «إن ثمن المواجهة أقل كلفةً من ثمن الفوضى» لن تتنكر لتاريخ الأسلاف العظام، من معركة ميسلون حتى الآن، تدرك حجم الضغوط التي تتعرض لها بلدنا سورية من التحالف الإمبريالي الصهيوني والرجعي العربي، بما في ذلك قوى الفساد ودعاة الليبرالية الجديدة في الداخل ورموز تلك القوى في الخارج (جبهة الخلاص نموذجاً)، والذين يرعبهم أن تبقى سورية في خندق الممانعة والمواجهة، لأن مصالح كل هؤلاء ترتبط برأس المال المعولم والمسلح.
مثلما كانت مرحلتا كامب ديفيد ومؤتمر مدريد في صالح التحالف الإمبريالي الصهيوني لأن مسارات (أنظمة المعتلين العرب) تتعارض مع مصالح الشعوب، فإن بوابة مؤتمر «أنابوليس» قد افتتحها هتلر القرن الحادي والعشرين جورج بوش بمقولة: «إن إسرائيل هي دولة لليهود»، وهكذا يكون لقاء «أنابوليس» قد أنتج تحالفاً مسخاً.
لكن الشعب الفلسطيني بملايينه التسعة وشعوب الشرق العظيم لهم خيارهم النقيض والمتجسد بخيار المقاومة الشاملة حتى النصر الأكيد.
دمشق 28/11/2007