السوريون بين المطلق والنسبي..
صرّح رأس الفريق الاقتصادي عبد الله الدردري مؤخراً: «إن الأغنياء يزدادون غنىً والفقراء يتحسن دخلهم»، وأضاف: «إن ظاهرة الفقر ليست اقتصادية بل سوسيولوجية أيضاً، فالتفاوت في الدخل اليوم لا يعني ارتفاع الفقر بل يتعلق بنمط الاستهلاك»، وأنهى حديثه حول هذه النقطة بالتأكيد: «إن الذين يعيشون بأقل من دولار واحد يومياً يشكلون 0.6 % من السكان .. وإن الذين يعيشون بأقل من دولارين هم أدنى من 10 % من عدد السكان»..
وفي مكان آخر من التصريح نفسه لجريدة الحياة، قال: «إن البطالة بمعناها الضيق المعرف من منظمة العمل الدولية، أي كل من عمل ساعة واحدة خلال الأسبوع الذي سبق المسح لا يعتبر عاطلاً عن العمل، انخفضت من 12.5 % إلى 8.1 % من قوة العمل الإجمالية بين 2004 و2007»..
هذا شيء من التصريح الذي يحمل دلالات لا تحتمل التأويل والتفسير، وهي تعبير واضح عن كيفية استخدام الرقم الإحصائي والتلاعب به للتضليل، والمستهدف من هذا التضليل قبل الشارع الذي لن تقنعه هذه الأرقام مهما (طلعت ونزلت) لأنه يعيشها ويعرف جوهرها، هو تلك الشريحة من القيادات في جهاز الدولة والمجتمع من أجل تطمينها أن الأمور بخير إلى حين يصبح من المستحيل معالجة المشاكل المستوطنة لدينا من فقر وبطالة.. إلخ، دون تدخل خارجي أو انفجار داخلي، وهذا التطمين هدفه التخدير لتأخير الحلول الحقيقية، الممكنة اليوم والمستحيلة غداً..
فلنأخذ أرقام البطالة.. هذه الأرقام نفسها ماذا تقول؟
1 ـ إن تخفيض البطالة جرى على الورق بتغيير طريقة الحساب، وتطلب حصول هذا التخفيض ثلاثة أعوام (2004 ـ 2007)، ففي 2004 جرى الحساب على أرض الواقع، أما في 2007 فقد وصلت المعادلة العبقرية الجديدة لتخفيض الرقم من منظمة العمل الدولية وجاءت بالفرج.. فإذا لم يستطع تخفيض البطالة على أرض الواقع فقد خفضها على الورق، ونحن نطلب منه أن يعيد حساب البطالة في 2004 على الطريقة الجديدة نفسها ليقول لنا بعد ذلك كم انخفضت في 2007؟ فالحساب هو حساب ويجب أن تكون طريقته موحدة في الحالتين..
والتحقيق في هذا الرقم سيكشف أنه إذا لم تزدد نسبة البطالة، فإنها حتماً لم تنخفض..
2 ـ من الذي قال إن ساعة عمل واحدة في الأسبوع الأخير قبل المسح كمعيار لتعريف البطالة صالحة في الظروف السورية؟ لأنها أصلاً محسوبة على المقاييس الغربية التي تقوم على أساس أن ساعة العمل هذه يمكن أن تؤمن حداً معيناً للمعيشة حسب الأجور الغربية، حيث 35 ساعة عمل أسبوعياً أجرها الشهري 1500 يورو (فرنسا مثالاً)، والسؤال هو: كم تساوي ساعة العمل الأوربية حسب مقاييس أجورنا؟ سيبين الحساب البسيط أنها تساوي أجر خمسة أيام عمل تقريباً في ظروفنا، هذا إذا لم نأخذ بعين الاعتبار أن منطق الحساب على أساس ساعة العمل مبني على اعتبار أن بطالة صاحب العلاقة غير مستدامة..
على هذا الأساس يحق لنا أن نشك جداً في أرقام الفقر الجديدة المعلنة، فأرقام 2004 التي تبناها هو في الخطة الخمسية العاشرة على أساس دراسة تم اعتمادها في حينه تقول إن نسبة السوريين الذين يعيشون على دولار واحد هي 11 %، أما الذين يعيشون على دولارين فهي 30 %.. فكيف تحول الرقم الأول إلى 0.6 %؟ أي جرى القضاء على نحو 10 % من فقراء الحد الأدنى للفقر.. وكيف تحول 30 % إلى أقل من 10 % من الذين يعيشون على خط الفقر الأعلى، وكل ذلك خلال ثلاث سنوات؟!
إنها أرقام قياسية تستحق أن تدخل مجموعة «غينيس»، لأن أحداً في العالم لم يستطع تحقيقها من قبل.. ولكن، يبقى السؤال الكبير: كيف تم ذلك بظل ثبات الأجور النسبي وارتفاعات الأسعار العالية خلال الفترة نفسها؟
إن السوريين يعانون من زيادة الفقر النسبي والمطلق..
النسبي، لأن الأغنياء يزدادون غنىً والهوة بينهما تصبح أوسع، والمطلق لأنهم لا يستطيعون الحفاظ على مستواهم المعاشي السابق في ظل تدهور الأوضاع المعيشية المستمر..
ولكن لماذا هذا التطبيل والتزمير لأرقام جوفاء غير صحيحة؟ إنه دليل على شيء واحد، وهو إفلاس الفريق الاقتصادي ووصوله إلى نقطة النهاية، وإصراره المتعمد على محاولة تضليل الجميع على المستويات كافة، الأمر الذي يضر الوطن والمواطن، والذي أصبح الخلاص منه ضرورة لكرامة الوطن والمواطن.