الافتتاحية: ويسألونك عن اليمن..

منذ أن تفجرت الأحداث الدامية في اليمن بتاريخ 11 آب 2009، لم ننخدع بما روجته وسائل الإعلام الغربية والعربية التابعة لها بأن الصراع بين الأطراف المتقاتلة يعود لأسباب مذهبية- دينية، فمنذ أحداث 11 أيلول 2001 وإعلان جورج بوش الابن الحرب المفتوحة على شعوب الشرقين الأدنى والأوسط تحت شعار «الحرب على الإرهاب»، لم يعد أي بلد ذي موقع استراتيجي أو لديه ثروات استراتيجية في هاتين المنطقتين بمنأى عن العدوان الأمريكي- الصهيوني، سواء بشكل مباشر أو عبر ممارسة تسعير الخلافات العرقية والدينية والقبلية فيه، وخلق المناخ المؤاتي لتفجيره من الداخل عبر الاقتتال بين مكوناته الديمغرافية!

وإذا كان الاقتتال اليمني الداخلي والذي مضى عليه عدة أشهر، لم يحقق النتائج المرجوة لمفجريه، فإن عنصراً جديداً دخل على المسألة اليمنية بقوة، ألا وهو تضخيم وجود وحجم خلايا «تنظيم القاعدة» في اليمن لدرجة أن صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية اعتبرت اليمن بمثابة الجبهة الثالثة بعد أفغانستان والعراق في الحرب على الإرهاب، وكشفت الصحيفة «أن الجيش الأمرtيكي أرسل قوات خاصة إلى اليمن لضمان تدريب العسكريين اليمنيين ضد خلايا القاعدة».
من هنا ندرك تراجع الحديث في كل وسائل الإعلام عن الصراع بين «الحوثيين والجيش اليمني» لمصلحة الرواية الأمريكية المفبركة حول علاقة النيجري عمر فاروق عبد المطلب بخلايا تنظيم القاعدة في اليمن الذي درّبه وأرسله لتفجير الطائرة الأمريكية فوق مطار ديترويت في الولايات المتحدة!
وإذا كانت الولايات المتحدة قد أعلنت للتمويه بأنها لا تنوي إرسال قوات عسكرية لاحتلال اليمن، إلا أنها باشرت بإرسال الطائرات والأسلحة والذخائر والمخابرات والخبراء في حروب العصابات إلى اليمن تحت عنوان «اجتثاث» خلايا القاعدة، في حين يكمن الهدف الرئيس من كل هذا في تهيئة المناخ المناسب للقيام بعمليات عسكرية عدوانية واسعة النطاق في منطقة باب المندب وعلى مساحة البحر الأحمر، من أجل السيطرة اللاحقة على منطقة القرن الإفريقي وترتيب وضع الأنظمة في الصومال وأريتيريا وأثيوبيا والسودان، ولاحقاً مصر والسعودية. ولاشك أن من بين أهم العوامل التي ساعدت العدو الإمبريالي- الأمريكي في تفجير الوضع الداخلي في اليمن هو الطبيعة القمعية- الاستبدادية لنظام علي عبد الله صالح، والذي هو بالأساس صنيعة الخارج، ولا يهمه سوى البقاء في السلطة على حساب إفقار الغالبية الساحقة من الشعب اليمني الذي تشكل الأمية فيه 47%.
لقد أكدنا دائماً أنه مع ازدياد تعثر المشروع الأمريكي في المنطقة، وكذلك مع أي ضعف في القدرة الأمريكية على التحكم في مصير الصراع والبلدان المستهدفة بالتفتيت، ستزداد شهية العدوان وتوسيع رقعة الحرب لدى متخذي القرار في الإدارة الأمريكية، وستنقلب الوعود بإحلال السلام إلى إشعال كل مناطق قوس التوتر بالتدريج من أفغانستان إلى القرن الأفريقي.
ومن هنا لا مكان، ولا فرصة لكل ما يقال عن تحقيق السلام أو حل للصراع العربي- الصهيوني، وفي هذا الإطار لا يجوز تعليق أية أوهام حول ما يمكن أن تنتجه جولات جورج ميتشل في المنطقة، لأن الهاجس الرئيس لدى الإدارة الأمريكية يكمن في حل القضايا الرئيسية التالية:
ـ تفادي تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية، والمحافظة على الوزن الاقتصادي للولايات المتحدة الأمريكية على الساحة الدولية، وعلى وجه الخصوص المحافظة على تسعير النفط بالدولار، ما يضمن لها استمرار التبادل العالمي بالدولار أيضاً، وإلا ستنهار مملكة الدولار، وبالتالي ستنهار الولايات المتحدة نفسها!.
ـ وطالما يجري الحديث عن تراجع المشروع الأمريكي في المنطقة، فهذا يستتبع الحديث عن إمكانية حدوث فراغات جراء التراجع سوف تتصدى قوى إقليمية لتعبئتها، وهذا يستدعي من واشنطن التخطيط اليوم قبل الغد، لضرب وتفتيت تلك القوى الإقليمية كي لا تتمكن من ملء الفراغ، وهنا لا يجري الحديث فقط عن دول تناوئ السياسة الأمريكية في المنطقة، بل سيشمل كذلك بعض الدول التابعة، التي لم تعد ضمانة في تحقيق وحماية المصالح الأمريكية في المنطقة.
ـ ولأن الحفاظ على أمن الكيان الصهيوني هو من بين أهم الأهداف الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة، ستبقى الإدارة الأمريكية مشغولةً بإخماد أية مقاومة عربية موجودة أو متوقعة ضد الكيان الصهيوني، وخصوصاً في دول الطوق.
من هنا لن نخدع فيما يسمى بدبلوماسية التهدئة إزاء الدول المحيطة بالكيان الصهيوني.
وبالعودة إلى ما يجري في اليمن، علينا البحث في العلاقة بين الوضع المتفجر في أي بلد عربي /اليمن، العراق، الصومال، السودان/، وبين الوجود العسكري الأمريكي كقوة احتلال غير مسبوقة في التاريخ، من أفغانستان إلى العراق والخليج والبحر الأحمر إلى شرق المتوسط.
وإذا كان قادة الولايات المتحدة اضطروا مؤخراً، بهذا الشكل أو ذاك، للاعتراف بعجزهم عن تغيير وجه المنطقة، فإن مقاومة شعوب هذا الشرق العظيم هي بالتأكيد من سيغير وجه المنطقة وصولاً إلى الانتصار الأكيد على التحالف الإمبريالي- الصهيوني.