خط الدفاع الأخير..

استقرار الليرة السورية هو خط الدفاع الأخير للاقتصاد السوري، الذي إذا ما انتهك، فإن تداعيات هذا الأمر ستكون خطيرة وبعيدة المدى.
إن هامش متانة الليرة السورية تحدده في نهاية المطاف متانة الاقتصاد السوري نفسه. ومتانة الاقتصاد السوري تحددها فروع الإنتاج المادي، أي يحددها الاقتصاد الحقيقي. وإذا كان البعض يتحدث اليوم عن إعادة النظر في سعر صرف الليرة السورية تجاه العملات الأجنبية الأساسية باتجاه تخفيضه، فإن لذلك معنى واحداً فقط لاغير وهو: تراجع أداء الاقتصاد السوري الذي تبجح هؤلاء البعض أنفسهم بنموه الكبير البارحة وأول البارحة، فأين هو هذا النمو، الذي لم ير نتائجه أصحاب الدخل المحدود في بادئ الأمر، وفي نهاية الأمر تتراجع الليرة السورية معبرة عن تراجع أداء الاقتصاد السوري؟

لن تفيد هنا التبريرات التي ستربط موضوع إعادة النظر بسعر صرف الليرة السورية بالأزمة العالمية، لأن هؤلاء الذين يريدون القيام بهذا الإجراء هم الذين «صرعونا» منذ فترة قصيرة بأن الاقتصاد السوري لن يتأثر بالأزمة العالمية. وها هو اليوم يتأثر بالموجة الثانية من الأزمة تماماً كما توقع الكثيرون.
إن استقرار الليرة السورية هو جزء مكون أساسي من مكونات الأمن الوطني، لأنها انعكاس لاستقرار الوضع الاقتصادي، والاستقرار الاجتماعي هو نتيجة لها... وبالتالي فإن أي اهتزاز لليرة السورية هو اهتزاز لكل منظومة الأمن الوطني، وبالدرجة الأولى في إحداثياته الاقتصادية والاجتماعية.
فما هي الآثار المتوقعة لتخفيض سعر صرف الليرة السورية؟
1. ارتفاع في الأسعار بشكل يتجاوز إلى حد كبير نسبة التخفيض في سعر الصرف.
2. هبوط في المستوى المعيشي لأصحاب الدخل المحدود سيتناسب طرداً مع ارتفاع الأسعار.
3. ارتفاع قيمة مدخلات الإنتاج المستوردة في الاقتصاد السوري، مما سيخفض قدرته التنافسية المنخفضة أصلاً.
4. لن يستفيد بند الصادرات من تخفيض سعر الصرف لأن الصادرات في الأشهر الأخيرة من العام الأخيرقد انخفضت 50 % حسب التصريحات الرسمية.
5. كل ذلك سيؤدي إلى زيادة الضغوط على الليرة السورية باتجاه تخفيضها اللاحق وصولاً إلى تعويمها، وهو الهدف غير المعلن الذي يسعى إليه البعض تنفيذاً لتوصيات صندوق النقد الدولي، مع ما يحمله ذلك من خطر ضغط مستمر على الاحتياطي الوطني من العملات الصعبة الذي كان أحد الضمانات الإستراتيجية لاستقلال قرارنا السياسي.
وإذا كانت هذه الآثار المتوقعة لإعادة النظر في سعر صرف الليرة السورية فهل من طريقة للحفاظ على وضعها؟ أم أن كل الطرقات قد سُدَّت في وجه هذا الاحتمال؟
طبعاً هناك حلول جدية للدفاع عن الليرة السورية... ولكن تراكم المشاكل السابقة وعدم حلها بالتدريج في حينه، سيجعل هذه الحلول حلولاً تحمل صفة الجذرية.. وأهمها على سبيل المثال لا الحصر:
- تأمين موارد للاقتصاد السوري وللموازنة عن طريق الاستيلاء المباشر على موارد الفساد الكبير بالذات، وقد كان للحملة الأخيرة التي طالت الفساد في جهاز الجمارك وقع إيجابي بين أوساط الجماهير الشعبية، التي ستؤيد كل إجراء جدي في هذا الاتجاه.
• وضع خطة استثمارية طارئة تأخذ بعين الاعتبار احتمال التطور الأسوأ للأزمة العالمية، وتوجيه مواردها نحو الفروع الإنتاجية الأساسية التي تضمن الأمن الغذائي الوطني بالدرجة الأولى.
• إعادة النظر برفع الدعم عن المحروقات وإعادة توزيعه باتجاه يضمن حسن سير الفروع المرتبطة بالأمن الغذائي مباشرة. على أن يترافق ذلك بعدم استبعاد إمكانية العودة النشيطة إلى دعم أهم المواد الغذائية التي يستخدمها المواطن صاحب الدخل المحدود.
• الابتعاد عن أي إجراء يمكن أن يؤدي إلى توتر اجتماعي، فهنالك اليوم ما يكفي من بؤر توتر لها أسباب موضوعية أو خارجية، ويجب ألا يضاف إليها بؤر جديدة من صنع أيدينا، والتعديلات المقترحة على قانون العمل مثال على ذلك.
إن التعامل مع موضوع الليرة السورية كموضوع سياسي من الدرجة الأولى، وإخضاع جميع الاعتبارات الاقتصادية-الفنية له، هو ضرورة للحفاظ قدر الإمكان على الاستقرار الاجتماعي والسياسي في البلاد، وفي ذلك ضمانة لكرامة الوطن والمواطن.