مصطفى ابراهيم مصطفى ابراهيم

الموضوعات البرنامجية.. قراءة عميقة للماضي والحاضر والمستقبل

جاءت الموضوعات البرنامجية التي طرحتها قيادة اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين للنقاش العام، عامة وشاملة وبخطوط عريضة.. فقد طرحت أفكاراً ومفاهيم تحفز الذهن على البحث والتفكير الجدي، سواء كان ذلك بين الشيوعيين، أو في المجتمع، وقد ثبتت الموضوعات أن المرجعية الفكرية هي الماركسية اللينينية التي تتطور ويتصلب عودها في النضال ضد العدمية والنصوصية، داعية إلى التعامل مع الماركسية اللينينية كعلم متجدد، وهذا يقودنا جديا إلى التفكير بالثابت والمتغير وتحديد كل منهما بدقة وموضوعية، لذلك تبقى مهمة الشيوعيين على هذا الصعيد هي معرفة الحدود بين الثابت والمتغير لتكون المهمة التالية صياغة رؤية تغييريه مستندة على تلك المعرفة، وهذا ما عمل عليه الشيوعيون السوريون منذ توقيع ميثاق الشرف .

والحقيقة أنه عندما أقر مجلس اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين في اجتماعه المنعقد بتاريخ 14/5/2010 مشروع الموضوعات البرنامجية، وقرر إطلاقه للنقاش العام بين الشيوعيين وفي المجتمع، كان ذلك قراراً صائباً، فالنقاش حول مواضيع محددة وبشكل واسع يشكل خطوة على الطريق الصحيح لوحدة الشيوعيين السوريين، أما نقاش الموضوعات في المجتمع، فهي خطوة متقدمة جداً على طريق عودة الحزب للجماهير والجماهير للشارع واستعادة الدور الوظيفي للحزب، كما أنها خطوة باتجاه تفعيل الحركة السياسية في المجتمع لتقطع الطريق على القوى التي تحاول العودة بالجماهير إلى ما قبل تشكيل الدولة الوطنية.

كما أن ما جاء في الموضوعات تحت عنوان الاشتراكية وأزمة الرأسمالية هو تحليل علمي مدعم بالأمثلة التي تؤكد صحة تنبؤات ماركس وأنجلس ولينين، خصوصاً عن حتمية انهيار النظام الرأسمالي، هذا النظام الذي يترنح في اللحظة الراهنة، والذي لن يسقط بالدعاء والتمني، ولكن بتوجيه الضربة له في اللحظة الحاسمة، وهذا يضع الشيوعيين أمام مهامهم الملحة، فعلى المستوى العالمي يجب العمل على إعادة اللحمة للحركة الشيوعية العالمية وتوحيد الرؤية والتوجه للوصول إلى اتحاد عالمي للأحزاب الشيوعية، يأخذ دوره في قيادة الجماهير في مواجهة الامبريالية العالمية. وعلى المستوى المحلي استعادة الدور الوظيفي للحزب الشيوعي المنشود عبر إعادة الثقة به من جانب الجماهير للقيام بدوره المطلوب، وهذا الحزب لن يوجد مع تشرذم الشيوعيين وتشتتهم في فصائل متعددة لأن ذلك يدعو إلى عدم ثقة الجماهير بهذه الفصائل.

وقد حذرت الموضوعات من خطورة النهج الاقتصادي المتبع حالياً في سورية على الأمن الوطني، وانعكاس ذلك النهج على المواطنين بانخفاض مستوى معيشتهم وزيادة أعداد العاطلين عن العمل مع تنامي ظاهرة الفساد المرافقة لعمليات الخصخصة، التي تتم بمسميات مخادعة: تشاركية, استثمار.. فخصخصة المنافذ الحدودية من مطارات وموانئ في ظل العدوان المستمر الذي تتعرض له منطقتنا وبلدنا، ورغم أنها تقع في قلب الهدف، ومع سيطرة القطاع الخاص المرتبط عضوياً بالرأسمال العالمي، هذا الرأسمال التابع الذي سينفذ ما يطلبه منه أسياده، سيجعل من الصعب إيجاد مستلزمات الدفاع عن الوطن وحاجاته الضرورية، أو على الأقل ستكون البلاد مكشوفة للأعداء. وكذلك للاتصالات خصوصيتها وتأثيرها على الأمن الوطني، وما حدث في شبكة اتصالات لبنان أكبر دليل على ذلك, ولعل  الملامح العامة للنموذج الاقتصادي المطلوب الذي ورد في الموضوعات يصلح لأن يكون دليلاً ومنهجاً يسترشد به لبناء نموذج اقتصادي يلائم الخصوصية السورية.

وكما جاء في الموضوعات، يرتدي موضوع تعزيز الوحدة الوطنية أهمية كبرى، حيث دعت الموضوعات إلى إصلاح وطني شامل، وركزت على قانون أحزاب عصري متطور، وقانون انتخابات جديد يعتمد النسبية، لتعود الأحزاب إلى السياسة، وليكون الحراك السياسي الذي تمثل أحزابه جماهير الوطن بديلاً عن التشكيلات ما قبل الوطنية من طائفية وعشائرية وسواها... ولتراقب جهاز الدولة الذي أمعن البعض في مفاصله نهباً وفساداً، وهذا ما يعيق تطور سورية اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً .

إن الحزب المنشود الواحد الموحد وتضافر الجهود النظيفة للقوى الوطنية الشريفة، هو الضامن الحقيقي للوحدة الوطنية وتعزيزها، والذي يمنع تفتيت بنية المجتمع من خلال التواجد في كل الطيف الوطني على امتداد البلاد.

إن اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين كانت قد دعت وباستمرار إلى التمسك بالوحدة الوطنية، ونبهت في أكثر من مناسبة إلى أن الصراع الرئيسي هو بين الإمبريالية والشعوب، وما التناقضات الأخرى من قومية: دينية، مذهبية.. إلا صراعات ثانوية يراد منها الهاء شعوب المنطقة عن الصراع الرئيسي بينها وبين الامبريالية، فيسهل على الامبريالية السيطرة على منطقتنا..

إن بناء ذلك الحزب القوي المرن والذكي، هو القادر على وضع الحلول للتناقضات الثانوية وجعل الانتماء للوطن هو الأساس بعيداً عن الانتماء القومي أو الديني أو المذهبي، ولذلك كان من الواجب على المهتمين بالشأن العام من الشيوعيين والطيف الوطني قراءة الموضوعات البرنامجية قراءة نقدية ووضع الملاحظات ليصار إلى إقرارها في الاجتماع الوطني التاسع.. إنها مهمة عظيمة وتستحق الاهتمام .