الافتتاحية: قرار عدواني جديد ضد إيران

مثلما قيمنا في حينه قرار مجلس الأمن رقم 1559 في «قاسيون» (العدد 229 تاريخ9/9/2005) على أنه «قرار عدواني جديد موجه ضد سورية ولبنان بغض النظر عن المزاعم والحجج التي استند إليها متخذو القرار»، كذلك نقيم قرار مجلس الأمن تاريخ 9/6/2010 بفرض مجموعة رابعة من «العقوبات» ضد إيران على أنه يستبطن نوايا عدوانية- هجومية ضد إيران وسورية ولبنان والمقاومات العربية، وهو نوع من هروب عتاة الإمبريالية العالمية نحو الأمام، وتوسيع لرقعة الحرب في المنطقة، وتهيئة المسرح في الشرق الأوسط من قبل التحالف الإمبريالي- الصهيوني لحرب جديدة بانت مقدماتها في شكل وأهداف المجزرة المدروسة التي ارتكبها جيش العدو الصهيوني ضد أسطول الحرية في المياه الدولية!.

وإذا كانت الحرب العدوانية الإسرائيلية على لبنان في 2006 قد جاءت بعد القرار 1559 بسنة ونصف، فإن الحرب المتوقعة في المنطقة بعد قرار «العقوبات» ضد إيران لن تأخذ مثل هذا الزمن، لأن المأزق أمام التحالف الإمبريالي- الصهيوني قد تعمق أكثر مما كانت عليه الأوضاع في 2006، خصوصاً بعد صمود المقاومة في لبنان وفلسطين والعراق، وانفجار الأزمة الرأسمالية العالمية عام 2008، وازدياد الدور الإقليمي لكل من سورية وإيران وتركيا، وظهور بداية تحالفات مغايرة تتشكل منها نواة مجتمع دولي جديد يخرج شيئاً فشيئاً عن طوع الإمبريالية الأمريكية والصهيونية العالمية.

وبالعودة إلى المجزرة المدروسة التي ارتكبتها «قوات النخبة» في جيش العدوان الصهيوني على ظهر السفينة «مرمرة»، يجب ألاّ نقع في الأوهام القائلة بأن القيادة الصهيونية لم تكن تدرك الخسائر السياسية على الساحتين الإقليمية والدولية، بل علينا إدراك البعد الاستراتيجي للعملية، انطلاقاً من أن قادة الكيان الصهيوني بدؤوا يدركون- وكذلك حماتهم في واشنطن- أن المشروع الاستيطاني- الصهيوني آخذ في التراجع سنةً بعد سنة منذ عام 2000 تحت ضربات وصمود المقاومة في فلسطين ولبنان، ودعم سورية وإيران لها مادياً ومعنوياً، من هنا جاء القرار الصهيوني بارتكاب المجزرة ضد أسطول الحرية لمنع فك الحصار عن قطاع غزة، والذي يعني انتصار خيار المقاومة وانتقاله من الدفاع إلى الهجوم وسقوط كل ما «أنجزه» التحالف الإمبريالي- الصهيوني من تسويات مذلة مع قادة دول الاعتدال العربي، بما في ذلك القيادة الفلسطينية المتنفذة في رام الله.

وفي محاولة لاستعادة زمام المبادرة واسترجاع الخسائر أو تعويضها على المستويين الإقليمي والدولي، لجأ التحالف الإمبريالي- الصهيوني إلى عدد من الخطوات أبرزها:

ـ الإيعاز للنظام الرسمي العربي بتعويض ما خسره الكيان الصهيوني سياسياً، حيث اكتفى وزراء الخارجية العرب ببيانات الشجب والاستنكار والإدانة ورفع القضية إلى «مجلس الأمن»، وأظهروا عجزهم «المعهود» عن فك الحصار بأنفسهم، أو حتى التلويح بسحب «المبادرة العربية» سيئة الصيت، وبذلك كان موفقهم مخجلاً بالقياس للموقف التركي حكومةً وشعباً.

ـ تمييع المطلب العالمي بتحقيق دولي وإدانة القادة الإسرائيليين المسؤولين عن المجزرة واعتبارهم مجرمي حرب يجب أن يحاكموا أمام المحاكم الدولية.

ـ الإيعاز للنظام المصري بفتح معبر رفح «لأجل غير مسمى» لامتصاص نقمة الشارع المصري والعربي، الذي يحمله مسؤولية تجويع أكثر من مليون ونصف المليون فلسطيني في قطاع غزة، وخصوصاً بعد إقامة الجدار الفولاذي لعزل سكان القطاع عن مصر وإقفال الأنفاق تحت الأرض!.

ـ الطلب إلى محمود عباس الحضور إلى البيت الأبيض وإرغامه على التصريح بقبول السلطة الفلسطينية «استمرار المفاوضات غير المباشرة مع الكيان الصهيوني» بعد كل الذي حدث مقابل 400 مليون دولار كمساعدات للسلطة في رام الله!.

ـ ولعل أخطر الخطوات التي تستبطن حرباً وعدواناً ضد شعوب المنطقة كانت قرار مجلس الأمن بفرض عقوبات ضد إيران، بما في ذلك فرض «نظام تفتيش السفن المتجهة نحو إيران أو الخارجة منها»، وقد سبق ذلك تسريبات إسرائيلية حول وجود عدد من غواصاتها الحربية في البحر الأحمر وصولاً إلى باب المندب، إضافةً لما تملكه واشنطن من أساطيل وقوات عسكرية في المنطقة!.

أمام كل ذلك لابد من الأخذ في الحسبان أن التحالف الإمبريالي- الصهيوني يفرض على شعوب هذا الشرق العظيم مواجهةً سافرةً لا تقبل الحلول الوسط، وهذا ليس دليلاً على قوة أو نهوض التحالف المعادي، بل دليل على عمق مأزقه وأزمته العامة التي لا يرى حلولاً لها إلاّ عبر وهم الحرب وتوسيع رقعتها، لذلك لابد من المواجهة والانتصار عبر انتقال قوى المقاومة والممانعة من حالة الدفاع إلى الهجوم، خصوصاً بعد أن توحدت شعوب العالم ضد الوحشية الصهيونية، كما كانت موحدة ضد نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا.