الافتتاحية مؤتمر القمة: «ماذا عن محدِّدات التضامن؟»..

عندما نقول إن الشعوب العربية لا تراهن على النظام الرسمي العربي، لابد من تدقيق مقاصد هذا المصطلح منعاً لأي التباس، حيث لا نعتبر أن النظام الرسمي العربي هو مجموع الأنظمة والدول العربية، بل نشير إلى العلاقات البينية بين الأنظمة تحت مظلة الجامعة العربية، والتي تبدلت أدوارها ومرجعياتها الدولية بحيث أصبحنا أمام «نظام رسمي عربي» يؤدي دوراً وظيفياً أخطر بكثير مما كان سابقاً. وأصبح في حالة تعارض شديدة مع مصالح شعوبه الوطنية والاجتماعية، حيث تحولت دول الاعتدال العربي التي تلعب دوراً مركزياً في ذلك النظام، إلى أهم أدوات التبعية للتحالف الإمبريالي- الصهيوني، وتضغط بشتى الوسائل لتنفيذ مطالبه السياسية وتأمين مصالحه الإستراتيجية في المنطقة.

وها قد انتهت قمة «سرت» في ليبيا دون أية قرارات فعلية تشعر المواطن العربي أن هناك قمة عربية معه، وليست ضده، بالمعنيين الوطني والاجتماعي. لقد انعقدت القمة تحت شعار: «صمود القدس»، ولكنها انتهت إلى المطالبة اللفظية بتجميد الاستيطان الصهيوني فيها مع تقديم «زكاة» مالية لدعم أهالي القدس المحتلة ومواجهة مخطط التهويد المنظم والزاحف ضد المدينة وجوارها، والذي يشمل عشرة بالمئة من مساحة الضفة الغربية.

ولعل أخطر ما تمخضت عنه قمة سرت هو تثبيت معادلة جديدة في الصراع العربي- الصهيوني، سقفها «وقف الاستيطان مقابل استئناف المفاوضات غير المباشرة» مع الكيان الصهيوني، وهذا هو سقف النظام الرسمي العربي الذي يجتر بنود المبادرة العربية سيئة الصيت، والتي لا يعترف بها التحالف الإمبريالي- الصهيوني طالما أقر أصحابها بأن «السلام هو خيارهم الاستراتيجي الوحيد»، وأنهم غير راغبين لا من قريب أو بعيد بخيار المقاومة، ذلك الطريق الذي سلكته كل الشعوب ضد الاحتلال.

تشاء المصادفة أن ينفرط عقد القمة عشية «يوم الأرض» في فلسطين المحتلة، ولم يأت على ذكره «بيان القمة» لأن الأرض المحتلة هي محط مساومة مع المحتل وليس مقاومته، ففي حين يربط الفلسطيني جسده بأشجار الزيتون كي لا يقتلعها الاحتلال، ويستخدم حجارة الأرض ليقذف بها الجنود الإسرائيليين، نجد دول الاعتلال العربي تخشى قيام انتفاضة فلسطينية ثالثة، وتكتفي بتوجيه التحية للرئيس أوباما على «موقفه» ومطالبته بتجميد الاستيطان في القدس، وبناء عليه تجرأت «دول المتابعة العربية» عدا سورية على إعطاء سلطة عباس في رام الله غطاءً سياسياً لاستمرار المفاوضات الفلسطينية- الإسرائيلية.

لقد أثبت النظام الرسمي العربي في قمة سرت، أنه لا يفكر مطلقاً لا بطرد السفراء الصهاينة من الدول العربية، ولا بوقف التطبيع مع الكيان الصهيوني، ولا باستخدام الثروات الهائلة التي تملكها الدول المركزية في النظام الرسمي العربي للضغط على واشنطن، لأن هذا النظام محكوم وجوده وحماية عروشه برضى التحالف الإمبريالي- الصهيوني على أدائه ودوره ضد المقاومة ودول الممانعة في المنطقة.

إن قمة عربية لم تتطرق في كل أعمالها ونقاشاتها ولو بكلمة واحدة، إلى الاحتلال الأمريكي وجرائمه الموصوفة في العراق، هي قمة هابطة، ومن حق الشعوب العربية أن تقيمها بما تستحق لجهة ابتعادها، بل تناقضها مع المزاج الوطني- الشعبي الناهض والمتمسك بخيار المقاومة الشاملة ضد العدو الصهيوني وحاضنته الإمبريالية الأمريكية.

وإذا كان البعض في بلدنا يكتب عن القمة بأنها «خطوة مطلوب توسيعها والبناء عليها، وإن ما تحقق في سرت هو خطوة في الاتجاه الصحيح مطلوب استكمالها بخطوات لاحقة أوسع»، فإننا نحيل من يكتب ذلك إلى المقولة الشعبية بأن «من جرّب المجرب..»، لأن النظام الرسمي العربي أداة تنفيذية خطرة بيد الإمبريالية والصهيونية ضد شعبنا وشعوب المنطقة، وليس أدل على ذلك من موقف مصر والسعودية الرافض لدخول إيران في «رابطة دول الجوار العربي» وهي التي تدعم القضية الفلسطينية والمقاومة اللبنانية، وتواجه أعتى الضغوط والتهديدات الإمبريالية والصهيونية بحجة ملفها النووي السلمي، في حين تُقبل دول أفريقية مثل تشاد في تلك الرابطة، في وقت يجري فيه السكوت الرسمي العربي عن السلاح النووي الإسرائيلي وتواجد أكثر من ثلاثمئة ألف عسكري أمريكي على الأرض العربية.

يجب أن يتوقف الحديث عن التضامن العربي دون محددات لأهداف هذا التضامن، وأهمها التضامن الكفاحي للشعوب العربية ضد التحالف الإمبريالي- الصهيوني كنقطة انطلاق لبناء نظام عربي حقيقي، يلتزم خيار المقاومة كبديل للنظام الرسمي العربي القائم المحكوم بالهزائم والتراجع..