الافتتاحية ملامح الانتفاضة الثالثة
منذ إشهار مبادرة «فريدمان- عبد الله» والتي سميت بالمبادرة العربية للسلام، وأقرتها قمة بيروت عام 2002، بعد عامين من انتصار المقاومة اللبنانية في تحرير الجنوب اللبناني، تحول النظام الرسمي العربي إلى مهزلة وخرقة بالية بعيون حماته ومسؤوليه في الغرب قبل شعوبه التي تكافح على جبهتين، سواءً ضد آليات القمع والترويض والترغيب والترهيب، أو لجهة التصدي للمخططات الإمبريالية والصهيونية في المنطقة!.
لم يطرح التحالف الأمريكي- الصهيوني على النظام الرسمي العربي إلاّ فكرة «التفاوض دون شروط مسبقة»، مع العمل في الخفاء والعلن لفرض التنازلات من جانب العرب مجتمعين ومنفردين حتى «يقبل» الكيان الصهيوني بالجلوس إلى «طاولة المفاوضات». ولأن النظام الرسمي العربي اعتبر السلام «خياراً استراتيجياً وحيداً»، فقد تخلى هذا النظام فعلياً ورسمياً، بافتقاد الإرادة السياسية، عن المواجهة، ووضع نفسه بنفسه على «قرون المعضلة» بحيث لم يعد يفكر إلاّ بتأمين سلامة عروشه.. وهكذا، ومن هنا، تتالت هزائمه المدوية، بعكس خيار المقاومة والممانعة الذي أدخل التحالف الإمبريالي- الصهيوني والرجعي العربي في مأزق محكم لا خروج منه إلا بالاعتراف بالهزيمة والفشل التاريخي..!
وكعادة أي وزير خارجية أمريكي منذ أيام جيمي كارتر، طلبت هيلاري كلينتون من قادة دول الاعتلال العربي في جولتها الأخيرة في المنطقة العمل على إيجاد مخرج لتوقف «المفاوضات الفلسطينية- الإسرائيلية»، والقبول بـ«اختراع» المفاوضات غير المباشرة بين الطرفين، وهنا سارع وزراء خارجية دول لجنة المتابعة العربية للاجتماع في القاهرة - بغياب وزير خارجية سورية، والتي مثلها مندوبها الدائم معترضاً على الفكرة-، واتخذوا قراراً بتقديم فرصة مجانية للولايات المتحدة والكيان الصهيوني مدتها أربعة أشهر لتمرير الوقت والاستنزاف السياسي والأمني للوضع العربي والفلسطيني. ومن الواضح هنا أن الموقف الجديد للنظام الرسمي العربي أعطي مقابل أوهام لا تعيد حقوقاً ولا تلجم العدوان الصهيوني- الأمريكي المتوقع على شعوبنا. كما أن القرار المتخذ لا يعدو كونه محاولة فاشلة لحفظ ماء وجه السلطة الفلسطينية في رام الله التي تقف في حالة تعارض مع خيار المقاومة الفلسطينية، بعد أن اختارت لنفسها التبعية والتنازل تلو التنازل مقابل الألقاب السلطوية على حساب الحقوق الوطنية الثابتة للشعب العربي الفلسطيني..
لقد اعتبر نتياهو القرار العربي غير كاف، وهدّد السلطة بإجراءات جديدة على الأرض إن لم تقمع المظاهرات الشعبية في الضفة الغربية ضد الاستيطان في القدس! وقد نفذ نتنياهو ما هدد به، حيث أعلنت حكومته عن بناء 1600 وحدة سكنية استيطانية في الأحياء المحيطة بالقدس، وقد سبق ذلك الإعلان عن ضم الحرم الإبراهيمي في الخليل، ومسجد بلال في بيت لحم إلى قائمة ما يسمى بالمواقع اليهودية التاريخية!
وبالإضافة إلى تفعيل الاستيطان الصهيوني وتهويد الأراضي المحتلة وخلق الوقائع على الأرض، يستفيد الكيان الصهيوني من «مهلة أربعة الأشهر» لصالح المفاوضات غير المباشرة، من أجل إجهاض أية إمكانية لاشتعال انتفاضة فلسطينية شعبية ثالثة والتي بدأت ملامحها تلوح في الأفق. ومن جانب آخر يعطي النظام الرسمي العربي للكيان الصهيوني الوقت الكافي لاستكمال الاستعدادات لحربه القادمة ضد المقاومة الفلسطينية ولبنان وسورية وإيران بالاشتراك مع الولايات المتحدة الأمريكية.
أما الرد الأمريكي على الحلفاء من قادة دول الاعتلال العربي، فقد جاء على لسان جو بايدن نائب الرئيس الأمريكي من تل أبيب حيث قال: «يمكنني أن أعد إسرائيل بأننا سنتصدى لأي تهديد أمني ضدها، فنحن نقدم مساعدات عسكرية قدرها ثلاثة مليارات دولار، كما ضاعفنا جهودنا المشتركة لضمان احتفاظ إسرائيل بتفوقها العسكري النوعي في المنطقة، ووسعنا مناوراتنا العسكرية وتعاوننا في أنظمة الدفاع الصاروخية..».!
إن تطور الأوضاع في المنطقة وانشغال الولايات المتحدة بإدخال التعديلات على مخططها الاستراتيجي، ومحاولاتها منع إغراء سد الفراغ الذي بدأ يتكون مع تعثر المشروع، من دول إقليمية أخرى، يتطلب من قوى المقاومة والممانعة في المنطقة الانتقال من وضع الدفاع إلى الهجوم ضد التحالف الإمبريالي- الصهيوني والرجعي العربي، وعدم الركون إلى دعاوى التهدئة الخادعة لأن المواجهة المرتقبة آتية، ولا يستبعدها إلاّ من يفتقر للإرادة السياسية للمواجهة.