الافتتاحية: بين 24 تموز يوسف العظمة.. و12 تموز 2006
مثلما رفض القائد يوسف العظمة نصائح المتخاذلين بعدم مواجهة غورو في ميسلون في 24 تموز 1920، وهو العارف بالفرق الهائل في ميزان القوى ليثبت للجميع أن الانتصار النهائي معقود لمن يصمد في أرض المعركة بغض النظر عن نتائجها الميدانية المباشرة، كذلك رفضت المقاومة اللبنانية بقيادة حزب الله الاكتفاء بانتصار عام 2000 والمراوحة في المكان والسكون لنصائح المتخاذلين والمهولين بقوة العدو الصهيوني في وقت أدركت فيه المقاومة وقيادتها الشجاعة أن زمن الهزائم قد ولّى وجاء زمن انتصارات المقاومة والشعوب.
لقد أردنا بهذه المقارنة بين مأثرة الشهيد يوسف العظمة عام 1920 وبين ملحمة الصمود الأسطوري للمقاومة اللبنانية في تموز 2006 التركيز على وجه الشبه الأساسي بين الواقعتين البطوليتين، ألا وهو إرادة المواجهة واتخاذ القرار السياسي الواعي بضرورة الدفاع عن الوطن والأرض والعرض مع عدم تجاهل الفارق في ظروف اتخاذ القرار في المعركتين آنفتي الذكر.. لكن الأهم في المحصلة النهائية ترك للأجيال السورية اللاحقة قاعدةً وطنيةً راسخةً لتحرير الوطن من الاحتلال كما فعل القادة التاريخيون العظام، أمثال تشي غيفارا، وبن بلّه، وهو شي منه، وكاسترو، وصلاح الدين الأيوبي..الخ.
وكذلك كان انتصار المقاومة في حرب تموز وغزة، حيث اتضح الحد الفاصل بين ملتزمي خيار المقاومة وبين مروجي خيار المساومة والتفريط بالحقوق والكرامة الوطنية في النظام الرسمي العربي التابعين للتحالف الإمبريالي- الصهيوني.
.. شتان ما بين تموز 2006 والذي لا يزال مستمراً بكل نتائجه العظيمة عند أهل المقاومة ومؤيديها لدى شعوب هذا الشرق العظيم وشعوب العالم، وبين تموز 2010 بالنسبة لقادة دول الاعتلال العربي، وشكل وجودهم المهين في أروقة البيت الأبيض، حيث لا يجرون محادثات، بل يستمعون للإملاءات ويخرجون على الصحفيين بالهجوم على المقاومة!.
من لبنان إلى السعودية مروراً بنظام حسني مبارك، نلاحظ مدى الانحطاط السياسي والتبعية لتلك القوى المهزومة والتي تطلب النجدة من واشنطن علناً ومن تل أبيب سراً من خطر المقاومة ودول الممانعة في المنطقة، ففي التحركات التي قام بها سمير جعجع والبطرك صفير وزيارة الملك عبد الله بن عبد العزيز ورئيس مخفر السلطة في رام الله إلى واشنطن، كان واضحاً أن المطلوب وعلى رأس جدول الأعمال الأمريكي- الصهيوني- الرجعي العربي، هو ضرب المقاومة وإخمادها في المنطقة وحتى بقوة السلاح إن أمكن ذلك.
ويتضح الموقف السياسي أكثر إذا توقفنا عند نتائج زيارة رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو إلى واشنطن وجدول العمل اللاحق لما يسمى بـ«عملية السلام» في المنطقة:
1 ـ أعطى الرئيس أوباما (غير الأبيض والمحب للسلام والإسلام) تغطية كاملة للسلاح النووي الإسرائيلي «لأن واشنطن لن تطلب من إسرائيل أي شيء يمس بأمنها الاستراتيجي، والذي هو جزء من الأمن القومي الأمريكي»!.
2 ـ اتفق الطرفان بشكل كامل على ضرورة الانتقال من المفاوضات غير المباشرة إلى المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، دون أن تتوقف جرافة الاستيطان الصهيوني في القدس وبقية مناطق الضفة الغربية والتي قارب حجم الاستيطان فيها 42% من مساحتها مع مصادرة 90% من مواردها المائية لمصلحة 600 ألف مستوطن مقابل نحو مليوني فلسطيني يخضعون لأكثر من 600 حاجز عسكري وجدار الفصل العنصري البالغ طوله أكثر من خمسمئة كيلو متر.
3 ـ العمل على اعتراف الفلسطينيين بيهودية دولة الكيان، ما يعني إلغاء حق العودة وتهيئة المناخ لطرد عرب فلسطين 1948 تحت «صيغة تبادل الأراضي» خصوصاً بعد تصريح محمود عباس «بأحقية اليهود في أرض الميعاد»!.
وهنا نذّكر بأن التفريط بحق العودة كان قد أسست له المبادرة العربية سيئة الصيت يوم جرى الحديث عن «حل عادل» لقضية اللاجئين، وقبل ذلك يوم بدأ التراجع عن الميثاق الوطني الفلسطيني في آخر مجلس وطني فلسطيني في الجزائر عام 1988 عندما جرت الموافقة على إقامة دولة فلسطين على حدود عام 1967، وصولاً إلى كارثة أوسلو 1993 حيث تم توكيل السلطة في رام الله بالمفاوضات تحت حراب الاحتلال.
مثلما تراجع السادات عن خط عبد الناصر، كذلك فعل عباس بعد مقتل ياسر عرفات، تخلى عن المقاومة وأدار ظهره للشعب الفلسطيني واحتمى بالدول الغربية وقادة دول الاعتلال العربي لتأمين الأموال والمؤيدين واعتبر ما تبقى من هيئات منظمة التحرير والمسيطر عليها عبارةً عن خاتم شرعي لاستمرار المفاوضات والمساومة مع العدو الصهيوني. فمنذ عام 1993 حتى الآن جرى تهويد كامل للأراضي المحتلة بالمعنى العملي والاستراتيجي مع بقاء بقع عربية مقطعة الأوصال «ما يجعل الكيان الصهيوني دولة فصل عنصري على كامل فلسطين التاريخية»!.
من هنا لن تستقيم الأمور إلاّ بالعودة إلى خيار المقاومة الذي جرى التآمر عليه من قادة دول الاعتلال العربي الذين لا ينفع معهم ومع حماتهم الإمبرياليين والصهاينة سوى دروس التموزين في عام 1920 وملحمة عام 2006.