لا حل للأزمة السورية دون إشراك الجماهير..

دخلت الأزمة السورية شهرها الثامن عشر وهي تزداد تعقيداً، تتفاقم آثارها وخسائرها في البشر والشجر والحجر دون أن تتقدم الحلول الممكنة لها خطوة واحدة، على كثرة من يناقشها. ومع تناقض وتضارب وكثرة الاقتراحات المقدّمة لحل الأزمة، إلا أنك تراه يضيع في متاهات لها أول وليس لها آخر، فهناك من يرى بأن الحل يجب أن يكون عربياً، وآخر يعتبر أن لروسيا وإيران دوراً محورياً فيه، وثالث يعتبر أن الحل يجب أن يساهم فيه المجتمع الدولي عبر منظمته الدولية الأمم المتحدة ومجلس الأمن، حتى أن هناك من يرى أن الحل بيد المنظمات الإنسانية التي تتعلق بحقوق الإنسان والإغاثة واللاجئين، ورغم كل هذه الاقتراحات وعلى أهمية بعضها فإن الحل الحقيقي لايزال معطّلاً عن العمل، لأن الجماهير السورية مغيّبة.

وعلى الرغم من أن انفجار الأزمة تداخلت فيه عدة أطراف داخلية وخارجية، ومع عدم إغفال حالة التآمر على سورية، إلا أن هناك إجماعاً على أن أحد الأسباب العميقة هو الوضع الداخلي السياسي والاقتصادي- الاجتماعي، وذلك بسبب تراكم المشاكل المعاشية التي تواجهها جماهير الشعب السوري من بطالة وفقر وانخفاض للأجور وارتفاع للأسعار وزيادة لمعدلات التضخم التي سجلت اخفاضاً جديداً لأجور الجماهير العاملة، واعتماداً على كل ذلك فإن السبيل الأمثل والحقيقي للحل يكمن في مشاركة الجماهير الشعبية القادرة على التلمس والتحسس الفطري لما يخلصها من معاناتها ويخفف عنها صعوبات الحياة ومشاكلها..

والحقيقة التي يجب أن تقال بأنه لا مصلحة لأحد في استبعاد الجماهير عن المشاركة في إيجاد الحل المناسب، إلا قوى الفساد الكبير، كون تلك المشاركة تشكل مصلحة أساسية لها، وبالتالي فإن الحلول غير المناسبة لها، التي لا تخفف معاناتها، لن تجد طريقها للتنفيذ، وستبقي نيران الأزمة مشتعلة تحت الرماد لتعود وتنفجر من جديد.

ومن المؤسف أنه توجد جهات عديدة، خصوصاً داخل السلطة، تمارس هذا الاستبعاد، وذلك عبر طريقين، يتمثل الأول في اعتبار أن مسؤولية الحل تقع على عاتق الدولة ومؤسساتها المختلفة وعلى رأسها الجيش والأجهزة الأمنية فقط، أما الجماهير فلا علاقة لها بالحل، ومما لا شك فيه أن مثل هذا الطرح فيه مجافاة متعمّدة أو غير متعمّدة للحقائق الجارية على أرض الواقع، فالحل الأمني البحت أثبت خلال فترة الأزمة التي طال وقتها ومداها بأنه غير مجدِ إطلاقاً، بل أضحى حال جماهير الشعب في وضع مأساوي يتحمل وزره الطرفان المتقاتلان، بسبب العمليات العسكرية الجارية، وما عانته الجماهير من قتل وتدمير لمنازلها، وتدمير للبنية التحتية التي بنتها بنضالها وعرق جبينها. أضف إلى ذلك أنه يجري تحميل الجيش السوري مالا طاقة له على حمله، بل يجري الإساءة له ولدوره في حماية الوطن وحدوده من العدو الخارجي. أما الطريق الثاني فيتم عبر إرهاب الجماهير بأشكال مختلفة، منها رفض أية آراء إذا كانت متناقضة أو مخالفة ولو بشكل بسيط عن وجهة النظر الرسمية، ومنها أسلوب التخوين حين يجري ضرب وقصف مناطق بأكملها لمجرد وجود مقاتلين أجانب قلائل فيها، فتنقلب الأمور رأساً على عقب، وبدلاً من وقوف الجماهير ضد التدخل الخارجي تتحول معه مؤقتاً، هذا إذا لم يقم المتضررون بحمل السلاح ضد الدولة باعتبارها مسؤولة عن خسائره البشرية والمادية، وخصوصاً بعد انتشار عمليات القتل بالقناصات البعيدة المدى وعمليات النهب والسلب للممتلكات الخاصة وعمليات خطف الأفراد وطلب الفدية بمبالغ مرهقة مقابل اطلاق سراحهم.

إن التطورات المعقدة والكارثية للأزمة تشير إلى ضرورة إعادة النظر بطريقة عمل جهاز الدولة، وإذا كان الدفاع عن الوطن مهمة أساسية ومسؤولية مباشرة للجيش والأجهزة الأمنية، فإن الجماهير الشعبية أيضا مسؤولة مسؤولية مباشرة أيضا عن الدفاع عن الوطن، والوقوف ضد أية مخاطر يتعرض لها. وعادة عندما تنهار الجيوش أمام القوى المهاجمة الأجنبية، تبادر الشعوب لمواجهة المحتلين ومقاومتهم وتحرير أوطانهم منهم، ولنا في معركة ميسلون مثال رائع لدور الشعوب في الدفاع عن أوطانها، فلم يكن المقاتلون الذين خرجوا لمواجهة الجيش الفرنسي الجرار كلهم عسكريين فقط، بل كان فيهم الكثير ممن قاتلوا واستشهدوا من جماهير الشعب المدنيين، واللافت أن جميع السوريين في مختلف المواقع كانوا مسبقاً ضد تحويل مدنهم وقراهم إلى ساحات للقتال والصراع الدائم، وهذا ما وثقته وقائع الأزمة في مراحلها المختلفة..

وأخيراً لا بد من القول إن إشراك الجماهير في الحل يعني بدوره إعادة النظر بقانون التظاهر وشروطه القاسية التي تمنع عملياً التظاهر السلمي، والإيعاز للجيش الوطني بحمايتها.  ذلك أن جماهير الشعب هي السور الواقي الذي يمنع العدو الخارجي من التسلل الى داخل الوطن، ودورها هذا مكمل لدور الدولة وجيشها وأجهزتها فهي لاعب مهم لا يمكن التخلي عنه في ملاعب النضال وصيانة الأوطان..