ثائر عبد لكي ثائر عبد لكي

العين بالعين..

عانت سورية منذ انفجار أزمتها من نير العقوبات الاقتصادية التي تم اتخاذها من دول الغرب وبعض الدول العربية ضد سورية. وفي الحقيقة، لقد دفع المواطن السوري وحده ثمن هذه العقوبات، لا النظام السياسي كما يحاول بعض الداعمين لهذه الاجراءات تبريرها. وكان الرد السوري الرسمي على هذه العقوبات مقتصراً على رفضها واستنكارها ومهاجمة متخذيها إعلاميأ. ولنا هنا أن نتساءل، هل فعلاً ينحصر الرد على إجراءات الدول التي عاقبت المواطن السوري بحدود الرفض والاستنكار؟ وفيما لو كان من الممكن الرد بشكلٍ آخر فما هو؟ ومن يقف حائلاً دون تحقيقه؟

أولى البديهيات

جاءت خطوة الاتجاه شرقاً، بالمعنى السياسي لا الجغرافي، على خلفية الأزمة السورية بعد أن انقطعت كل الإمكانيات للتواصل مع الغرب من جهة، ولانسداد الأفق أمام استمرار السياسة الليبرالية التي اتخذها الفريق الاقتصادي السابق في الحكومة على عاتقه، وروج لها بشتى الوسائل، مهدداً بذلك السوريين جميعاً برغيفهم ولقمة عيشهم من جهة أخرى.. بالتالي نستخلص أن الاتجاه شرقاً يجب أن يكون خياراً استراتيجياً متكاملاً، قد يشكِّل في أحد جوانبه صفعة موجعة لأصحاب المشروع الليبرالي في الداخل السوري، ولكن لا يمكن إدراجه في إطار الرد المباشر على العقوبات الاقتصادية، بل يمكن وصفه رداً غير مباشر عليها..

الرد حقٌ للسوريين جميعاً. وقد تكون أولى أشكال هذا الرد الطبيعية هي ضرب مصالح الدول التي تبنت العقوبات ضد الشعب السوري في الداخل، وذلك عن طريق تأميم الشركات والمنشآت التابعة لهذه الدول (النفطية منها على وجه الخصوص) والاستيلاء على ما فيها من آلات، وإيقاف العقود التي بموجبها رُخِّص لهذه المنشآت بالعمل داخل الأراضي السورية..

وفي الواقع، إن الاتجاه نحو ردٍ كهذا لن يكون مقتصراً على «تصفية الحسابات» مع هذه الدول، بل من شأنه أن يعيد للشعب السوري جزءاً من الموارد التي سلبتها منه هذه الدول، بتهليلٍ وتبريك من قوى الفساد الكبير في سورية، والتي تعتاش على موارد السوريين المنهوبة، ناهيك عن القيمة المعنوية العميقة لهذا الإجراء..

من منع الرد؟ ولماذا؟

انطلاقاً من الحقيقة التي تشير إلى أن المتضرر الأكبر من ضرب مصالح الدول المعادية للشعب السوري، هي بالضرورة تلك القوى التي ارتبطت مصالحها منذ سنوات وعقود بمصالح هذه الدول، أي قوى الفساد الكبير في سورية. يمكن من هنا استتناج أن هذه القوى كما دافعت عن مصالح الغرب قديماً، فإنها استماتت في سبيل منع رد هكذا من التحقق، خصوصاً أنه لا يهدد مصالح الغرب فحسب، بل ومطامع قوى الفساد هذه، من حيث أنه يقطع نهائيا مع الغرب ويمنع إعادة اتصالها به فيما بعد الأزمة.

إن سعي هذه القوى لعرقلة الرد على العقوبات، جاء ليعبر عن آمالها في إعادة سورية إلى ما كانت عليه قبل الأزمة من تبعية اقتصادية للغرب، مما يتيح لها مساحة أوسع لاستثمار موارد السوريين، بمعنى آخر، إن قطع الأقنية بشكلٍ تام ما بين سورية والغرب، يهدد مصالح قوى الفساد التي تلتهم حصة أكبر في ظل علاقات أوسع مع الغرب، هذا ما يدفعها إلى العمل الحثيث على إبقاء هذه الأقنية مفتوحة..والإبقاء هذا سيكون على حساب التوجه شرقاً، الذي حملته القوى الوطنية السورية كمطلب محق في وجه قوى الليبرالية..

مما سبق يمكن الاستخلاص أن مواجهة قوى الفساد في الداخل لا تقل من حيث الضرورة عن ضرورة مواجهة مطامع الدول الساعية لنهب سورية، إن لم نقل أنها جزء لا يتجزأ من هذه المواجهة، كونها الوكيل الحصري والحارس الأمين لمصالح دول الغرب في سورية، وأولى هذه المواجهات تكمن في التسريع بالرد على العقوبات الاقتصادية، مما يعيد للسوريين ما تبقى من حقوقهم، ويقطع على الفساد تطلعاته في إعادة سورية إلى الارتهان للغرب..