نحو النموذج الاقتصادي المطلوب..
كثيرا ما أتحفنا منظرو النموذج الليبرالي المتبع منذ سنوات بالترويج لمحاسن نموذجهم الموعودة، والتي على الناس التحلي بالصبر لجني ثمارها، وها نحن اليوم نجني هذه الثمار على شكل عدم رضا ويأس وانفجار شعبي غير مسبوق يعود بشكل كبير إلى انخفاض مستويات المعيشة وارتفاع معدلات البطالة والتضخم وتراجع دور الدولة في جميع المجالات، بالإضافة إلى تدخل خارجي يلوح بالأفق بجميع أشكاله يسعى لاستخدام ما يجري من أحداث لتسعير عناصر الفوضى اللاخلاقة وإعادة البلاد إلى مرحلة ما قبل قيام الدولة الوطنية، مما يعني إنهاء دور سورية الإقليمي وضرب جبهة المقاومة والممانعة، وكذلك حل الصراع العربي الإسرائيلي لمصلحة المخطط الامبريالي الصهيوني، وتكريس انتصار الليبرالية الاقتصادية على الأرض سياسياً وبشكل نهائي في سورية وفي كل بلدان المنطقة.
تقتضي مصلحة البلاد اليوم ضرورة بناء نموذج بديل للتطور الاقتصادي بعيداً عن النموذج الحالي، يؤمن أعلى نمو ممكن وأعمق عدالة اجتماعية، نموذج يحقق مطالب الشعب ويحسن مستوى معيشتهم ويعزز الوحدة الوطنية، ويؤمن نوعاً من الاستقلالية الوطنية القادرة على توفير الأمن الوطني والضامنة للتطور اللاحق في حال فرض عقوبات دولية اقتصادية على البلاد.
هذا النموذج لا يمكن صياغته من جانب مجموعة أو حزب.. وإن تمت صياغته نظرياً من جانب جهة أو حزب فهذا غير كاف لتحويله إلى واقع، بل يتطلب ذلك مشاركة أوسع الأوساط في المجتمع والدولة والذي يجب أن يكون أحد المهام الأساسية للحوار الوطني المزمع إقامته.
إن أهم ملامح هذا النموذج والتي طالما أكدت عليها اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين وجاء في موضاعاتها البرنامجية تتضمن ما يلي:
- إعادة حجم دعم الإنتاج الزراعي في مستلزماته وأسعاره بالشكل الذي يؤمن أسعاراً مجزية للفلاحين ويسمح بزيادة الإنتاج الزراعي
- دعم الإنتاج الصناعي الوطني في القطاعات التي تحفز النمو ضمن الخريطة الاستثمارية المبنية على أساس استهدافات النمو المطلوبة..
- إعادة النظر جذرياً بالسياسة الأجرية باتجاه رفع الحد الأدنى للأجور ليطابق الحد الأدنى لمستوى المعيشة، وزيادة الأجور دورياً (شهرياً أو فصلياً كحد أقصى) على أساس ارتفاعات الأسعار الحقيقية، وأخيراً تمويل الزيادات من مصادر حقيقية، وتحديداً على حساب الأرباح التي تتضخم بارتفاعات الأسعار المستمرة عن طريق سياسة ضريبية فعالة وغير منحازة لصالح أصحاب الأرباح.
- إعادة النظر بسلة الاستهلاك التي يحتسب التضخم عبرها لتصبح معبرة عن الواقع الحقيقي، واعتماد عدة جهات مستقلة غير حكومية إلى جانب الحكومية في صياغتها ومتابعتها..
- الاستفادة من القدرات البشرية العلمية الكبيرة الهامة التي وفرها التعليم المجاني على مختلف المستويات خلال عقود، وتوظيفها في التحديث والتطوير عبر إعادة تأهيلها بشكل دائم ومخطط.
- وضع الخطط للوصول إلى مضاعفة الدخل الوطني كل 5- 7 سنوات، وهذا أمر ممكن في حال صياغة النموذج الصحيح القادر على ذلك.
- إن إزالة الخلل جذرياً بين الأجور والأرباح سيحل مشكلة مستوى المعيشة خلال خمس سنوات إلى سبع، إذا ما ارتفعت وتائر النمو الحقيقي للاقتصاد الحقيقي إلى معدلات عالية جداً يجب ألا تقل عن %10 حتماً..
- كما أن ارتفاع معدلات النمو سيحل مشكلة البطالة جذرياً خلال فترة زمنية من خمس إلى سبع سنوات عبر استيعاب اليد العاملة في المشاريع الجديدة المدعوة إلى رفع مستوى نمو الاقتصاد الوطني.
- الأمر الذي يتطلب رفع مستوى التراكم (التوظيفات الاستثمارية الجديدة) في القطاعات الإنتاجية الحقيقية إلى %30 من الدخل الوطني.
- كما يتطلب رفع مستوى عائدية التوظيفات على مستوى الاقتصاد الوطني إلى %33 كحد أدنى، بينما لا تتجاوز نسبتها اليوم %15. (العائدية = مجموع التوظيفات /القيمة المضافة الحقيقية).
- إعادة النظر بكل القرارات والإجراءات التي تمثل تراجعاً عن المكاسب المتحققة للطبقة العاملة و الفلاحين وسائر الكادحين..
إن نموذجاً اقتصادياً عادل التوزيع وعالي النمو سيسمح بحل كل المهمات الاجتماعية المتفاقمة في البلاد:
- نحو تأمين التعليم بكل مراحله لكل أفراد المجتمع بشكل مجاني.
- نحو تأمين الضمان الصحي المجاني.
- نحو حل جذري لمسألة السكن عبر تأمين سكن شعبي كريم ورخيص لكل عائلة جديدة، مما يتطلب جهوداً من الدولة في هذا الاتجاه عبر تسهيلات مصرفية جدية تسمح لذوي الدخل المحدود بالحصول على السكن السريع و الجيد.
- إن كسر احتكار تجار البناء والأراضي والمضاربين بها يتطلب منع الاتجار بالأراضي التي تبني عليها الدولة وعدم احتساب سعرها في كلفة البناء، وكذلك منع المتاجرة بها وتأجيرها.
- ونحو إعادة النظر بتكاليف الكهرباء و المياه لأصحاب الدخل المحدود باتجاه جعل الشرائح الدنيا الضرورية من استهلاكها مجانية تماماً، وتحميل الفوارق السعرية لأصحاب الدخل غير المحدود من المستهلكين الكبار...