أهل مكة أدرى بشعابها..
يضطر الكثير من السوريين والسوريات للتسمر أمام الشاشات السورية لسماع تحليلات وتفسيرات سياسية لعدد من الباحثين والمحللين السياسيين اللبنانيين, الذين احترفوا اللعب بالكلمة والموقف وتفسير الحدث كل على هواه، وكل منهم يقدّم نفسه باعتباره يملك الحقيقة المطلقة ولا يقول غيرها, وأثناء الظهور المتكرر لهؤلاء يتم فبركة الكثير من المشاهد على اعتبار الوقت المعطى لهم أكثر من زائد عن الحد, فثلاث ساعات أو أربع على الشاشة، تحتاج إلى الكثير من الكلام والفبركة والعودة إلى الماضي وربما السحيق, ولكن هذا بحد ذاته يجعل المحلل يقع في الكثير من المغالطات والتباين بين أول الحديث وآخره, وما يدخل بينهما من هرطقات وكلام لا معنى له سوى تعبئة الوقت, لأن ما يقوله في أربع ساعات لا يحتاج عمليا لأكثر من ساعة زمنية واحدة, وباقي الوقت تكرار في جوهر الموقف ولكن بجمل مختلفة.
الخطير أن هؤلاء يقدمون نصائح وتحاليل وتفسيرات لما يدور على الساحة السورية من حراك، نلتقي معه كسوريين في نقاط ونختلف في أخرى, ويركزون خاصة على المؤامرة الخارجية وقضية المقاومة والقضية الفلسطينية..
لاشك أننا وإياهم متفقون على ضرورة العمل على تحرير فلسطين, وأن الدولة الصهيونية هي عدوة العرب, وعلينا العمل على تحرير جولاننا المحتل منذ عام 1967.. ولكن من حقنا عليهم - نحن الذين نعرف العديد منهم ونعرف تاريخ حياتهم، وأنهم لم يكونوا ليقبلوا بأقل من ديكتاتورية الطبقة العاملة في برامجهم السياسية في سبعينيات القرن الماضي - أن نعاتبهم على نظرتهم المحدودة والضيقة، من موقع الحرص على سورية من الفلتان الأمني، كوننا من أشد الحريصين على الأمن كي لا نذهب إلى تدمير ما بناه أبناؤنا وما دفعناه نحن من كد ومال في بناء المؤسسات الحكومية، وما يترتب على أبنائنا من إعادة بنائه لو تهدم بفعل التعنت من هذا الطرف أو ذاك.
من حق شعبنا العربي السوري الذي وقف إلى جانب سلطته السياسية في جميع الحروب وتحمل العقوبات الاقتصادية ونقص المواد الضرورية في ثمانينيات القرن الماضي, في الوقت الذي كانوا هم أنفسهم ينعمون بحياة حرة كريمة متوفر فيها جميع المواد الممنوع دخولها إلى بلدنا الحبيب, حتى بات المواطن السوري يأتي بالمواد الأساسية من لبنان مثل السمنة والموز والمحارم الورقية.
لا حاجة لفتح صفحة الماضي, فشعبنا وقف بكل صبر وثبات أمام حملات النيل من صمود بلدنا، وكان كل ذلك على حساب حريته واقتصاده تحت عنوان المعركة والعدو الصهيوني, ولولا صمود الشعب لما صمدت أية حكومة.
أيها «الأصدقاء والأشقاء اللبنانيون» هل تناقضت حريتكم السياسية الداخلية في الانتخاب وتشكيل الأحزاب وحرية الصحافة مع رفضكم منطق الاحتلال الصهيوني والعداء له؟
هل نفتقر في سورية إلى مثقفين سياسيين وإعلاميين بمستوى الأخوة اللبنانيين؟
أليس من حقنا أن نرى نقابياً واحدا يعترض على سياسات الحكومة عبر التلفزيون السوري؟
ألا نستحق مشاهدة حوار سياسي على شاشاتنا المحلية بين وجهتي نظر مؤيدة ومعارضة؟
هل نحن أقل إنسانية ووطنية أو لا نستحق شرف المواطنة من وجهة نظركم؟
هل تتعارض الحياة الديمقراطية والحرية مع تحرير أراضينا المحتلة؟
أنا شخصيا أرى أن ما نحتاج إليه في بلدنا أو ما نطلبه، لا يعادل واحد في المائة مما تنعمون به, فلماذا تستكثرون على شعبنا حرية يستحقها بكل جدارة؟
هل الحرية في لبنان مطلوبة والحرية في سورية لا حاجة إليها؟
أخيرا نرجوكم عند الحديث عن بلدنا أن تتنبهوا إلى أننا نقبل ونرتضي عشرة بالمائة مما أنتم تنعمون به، ويكفينا فتاوى سياسية لم تعد تهم الكثيرين في الشارع، وإن وصلت فتكون كفتوى بعض السلفيين الذين تعتبرونهم خصومكم، فالسلفية ليست دينية فحسب، بل هي بالأساس فكرية, فكما سلفيو الدين يمكن القول فيهم إنهم أسوأ خلف لأكرم سلف، كذلك فإن هذا ينطبق عليكم، فأنتم سلفيون بكل المقاييس كونكم تحاولون تجميل مواقفكم تحت شعارات وتسميات مختلفة، غير منطقية، جوهرها الدفاع عن برامج سلفية سياسية واجتماعية.
وفي السياق نفسه يمكن مخاطبة الإعلام الرسمي وشبه الرسمي السوري: ألا يوجد في بلدنا كوادر ومثقفون يعدون بالآلاف يمكن الاستعانة بهم على شاشاتنا المحلية بدل الاستعانة بآخرين، هم في أحسن الأحوال لا يمكنهم فهم خصوصية بلدنا كما نفهمها ونعيها نحن؟
دمشق 29/5/2011