الافتتاحية: كيلا تخرب بيوت السوريين مرتين..!
تظهر إلى العلن، وبشكل متواتر، ومنذ أكثر من سنة، مشاريع مختلفة لعملية إعادة إعمار سورية، منها «الخارجي» ومنها «الداخلي». الجديد أنّ تواتر الحديث عن هذه المشاريع ارتفع خلال الفترة القصيرة الماضية بشكل كبير بالتزامن مع تسارع عمليات تدمير الليرة السورية، وهو الأمر الذي لا يدل على ارتباط المسألتين فقط، بل وعلى قناعة كاملة من الأطراف المختلفة بأن الحل السياسي ماضٍ قدماً وحتى النهاية، وغالباً ضمن الآجال الموضوعة.
إن الملامح المشتركة بين جملة من المشاريع المطروحة على الساحة،
تتلخص في الآتي:
تمويل إعادة الإعمار من القروض، (الغربية خاصة)، ومن الاستثمار الخارجي.
تنفيذ إعادة الإعمار بيد «شركات أجنبية» تمثل رؤوس أموال ودولاً غربية وخليجية، إضافة إلى شخصيات وقوى سورية تتغطى بأسماء تلك الشركات.
يلعب جهاز الدولة السوري، بما في ذلك القطاع العام، دوراً حيادياً وهامشياً ضمن العملية، يتمثل في تسهيل عمل «شركات إعادة الإعمار» بما يتطلبه ذلك من حماية وسن قوانين تصب في مصلحة هذه الشركات، ضد مصلحة السوريين عموماً، والعمال خصوصاً.
بالمحصلة، لا تخرج هذه المشاريع في منطقها وفي تفاصيلها عن النماذج اللبنانية والعراقية والأفغانية وغيرها التي، إلى جانب أنها لم تعد إعمار شيء، فإنها قامت على المستوى الاقتصادي بمراكمة ثروات كبرى في يد قلة من الناهبين المحليين، وراكمت ديوناً كبرى على الدولة، وعلى المستوى السياسي أنتجت دولاً فاشلة يحكمها تحاصص سياسي- طائفي- عشائري- قومي بين مجموعة من اللصوص الكبار، وشعباً مفقراً بالكامل.
إنّ عمليات تدمير الليرة السورية المتسارعة خلال الأشهر الماضية، تجاوزت الحدود الاقتصادية كلها المتعلقة بتراجع حجم الناتج الوطني، وكذلك فإنه لم يعد بمقدور أحد القول بأن أسباب التراجع متعلقة بدواعي الحرب، وبات واضحاً أن هذه العمليات مقصودة من قبل أطراف نافذة وقوى فساد داخلية كبرى بغرض إعادة ترتيب البيئة الاقتصادية السورية لعمليات إعادة إعمار على طريقة قوى الفساد وشركائها في الخارج، وهذه العمليات في جوهرها هي عمليات غير وطنية، بل ومعادية لمجمل الشعب السوري ولدولته ومستقبلها.
إن المشاريع من طراز كهذا كفيلة بأن تتولى خراب بيوت السوريين مرتين، مرة خلال الحرب وأخرى تحت يافطة إعادة الإعمار، بما يعيد إنتاج الأزمة بمستويات أعلى وأكثر خطورة مما يجري حالياً. هذه الوقائع تجعل من البحث عن نموذج وطني لإعادة الإعمار مهمة من الطراز الأول، نموذج يعتمد في تمويله بشكل أساسي على استعادة الأموال التي نهبها وراكمها على نحو غير مشروع الفاسدون الكبار، وعلى إيقاف نهبهم وتحويله كاملاً نحو إعادة الإعمار، كما يعتمد على تخفيض نسب الأرباح إلى حدود قصوى، لمصلحة الأجور عبر دور فاعل ومحوري لجهاز الدولة، كما يعتمد توجهاً صارماً نحو قطاعات الإنتاج الحقيقي، وخاصة إنتاج الغذاء في المرحلة الأولى، إضافة إلى الاستفادة من منظومة العلاقات الدولية الجديدة عبر الاستفادة من «الشرق الاقتصادي» الذي يقوم بعمليات قطع هامة وكبرى مع منظومة النهب الغربي.
إنّ الظرف الدولي الحالي، ظرف تراجع الغرب الذي أدار عمليات إعادة الإعمار الفاشلة السابقة، وتقدم مجموعة «بريكس»، بالتزامن مع صعود الحركة الشعبية العالمية، هذه العوامل كلها تفتح الأفق أمام نموذج سوري جديد في عمليات إعادة الإعمار يشكل قاطرة النماذج الاقتصادية الجديدة لما يسمى بلدان العالم الثالث المتناسبة مع الظرف الدولي الجديد، تماماً مثلما يشكل الحل السياسي السوري نموذج حل الأزمات ضمن العالم الجديد.