خرابٌ في النفوس أم حرب طبقيّة؟؟
تتصاعد ضرورة الوصول إلى تحليلاتٍ سياسية تُعطي تفسيراتٍ عميقة وواضحة المعالم حول ماهية الأسباب التي أدت إلى الأزمة التي يُعاني منها الشعب والبلد. وبدوره يولّد الانقسام العمودي في المجتمع السوري، الذي ما زال يستند إلى أسس وهمية، ويُفرز تحليلات سياسية خاطئة. فصارت النتائج المرجوَّة من التحليلات الخاطئة مرهونة فقط بموقع الباحث السياسي في طرفي الانقسام الوهمي «معارضة- موالاة»، هذا الذي يجعل «الموالي- والمعارض»، كليهما على حدٍّ سواء، محكومين بضوابطٍ يرسمها انتماؤهم اللحظي القابل للتغير كلما اقتضت المصلحة ذلك..
فسّر الكثيرون، في مُعرض البحث عن المُسبّبات السياسية الحقيقية للأزمة السورية، ماهيةَ أسبابها انطلاقاً من النظرة المُجتزأة للواقع السياسي الحالي في سورية. فعلى سبيل المثال، جعل بعض المعارضين للنظام السوري من القمع الذي يمارسه الأخير على أي حراك سياسي سبباً وحيداً للأزمة في سورية. وعلى العكس من هؤلاء في الضفّة المقابلة، لجأ بعض أقطاب التحليل السياسي في الموالاة إلى اجتزاء فكرة ضعف الحركة الشعبية، ووجود من سمّوهم بـ «المُندسين» في صفوف الحراك السياسي وجعل ذلك سبباً للأزمة السورية. وهنا يجدر التساؤل، هل الأزمة هي فقط أزمة عقليّة أو إجراءات يقوم بها طرفا الصراع ؟ ثمّ هل القمع أو ضعف الحراك الشعبي من أسباب الانفجار الذي تشهده البلاد أم من تداعياته الضارّة؟ إلى هنا، يبدو أن الطريق للإجابة على السؤال حول الأسباب الحقيقية الكامنة وراء الأزمة يمرّ حتماً بمعرفة من هي القوى التي تتضرّر مصالحها في الإجابة عن هذا السؤال وفي التخطّي الآمن للأزمة..
على عكس الادعاءات والتحليلات المُثقلة بقوة اللحظة، فإن الأزمة ليست وليدة اليوم الأول لخروج الحركة الشعبية إلى ساحة العمل السياسي، إنما كان هذا الخروج هو التعبير الأمثل على التغيير النوعي الذي أحدثه مجموع التراكمات الكمّية داخل التناقض الطبقي الأساسي في المجتمع السوري الذي يتمحور حول الجوانب الاقتصادية-الاجتماعية والسياسية، وهنا تَسقُط النظرة المجتزأة في التحليل السياسي القائمة على استثمار العامل الأخلاقي في الأزمة السورية، ففرضية أن النظام السوري هو من سبَّب الأزمة بقمعه للحراك الشعبي، أو فرضية أن المعارضة السورية ساهمت بخلق الأزمة عبر بنيتها القابلة لتبني مشاريع خارجية، فرضيات لا ترقى لمستوى الأسباب الأساسية للأزمة السوريّة. فحقيقة الصراع طبقية بامتياز، فقد ساهمت قوى الفساد في الطرفين بإضفاء طابع الطائفية والاقتتال السياسي على هذا الصراع بهدف خلق تناقض تناحري فيما بين القوى المتماثلة طبقياً، وبالتالي تأمين الموقع الطبقي لقوى الفساد هذه بعيداً عن متناول الحراك السياسي.
وفيما سبق، يبدو جلياً عدم صوابية طروحات الطرفين المتحاربين، ووقوعهما في الوقت ذاته بخطأ الخلط ما بين أسباب الأزمة التي أدت إلى انفجارها من جهة، ومفرزاتها التي نواكبها اليوم بأجلى صورها دماراً وتخريباً من جهةٍ أخرى..