زهير مشعان زهير مشعان

وجهة نظر: الثورة قادمه من الجنوب

الشّمال والغرب اللذان كانا يشكلان مَركزَي استقطاب فكري وجذبٍ للعقول والقلوب وتعبئة الجيوب.. وما زالا رغم الأزمة مَركزَي نهبٍ واستغلال لثروات وخيرات وعقول وحتى تراث وحضارة الشرق والجنوب ومتاحفهما تمتلئ بالآثار المنهوبة كما تمتلئ بنوكهم بالأموال المسروقة،ولعل هذا سيكون مدخلاً للولوج إلى الشمال والغرب الغنيين ودورهما التاريخي ..

استناداً إلى تطور الغرب والشمال الاقتصادي والاجتماعي الرأسمالي - وخاصةً بعد الثورة الصناعية والعلمية - القائم على ظلم واستغلال الشعوب، وتعمّق الصّراع الطبقي فيهما ونمو ووعي الطبقة العاملة ووجود قوى سياسية منظمة وحدة التناقضات الاجتماعية والطبقية بل واحتدامهما بين قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج توقع ماركس قيام( الثورة الاشتراكية )فيهما، بعد كومونة باريس في القرن السابع عشر وخاصة ألمانيا وبريطانيا وأمريكا وذلك في القرن الثامن عشر لكن هذا لم يحدث لأسباب عديدة منها تحول الأحزاب الاشتراكية إلى الإصلاحية ورشوة القيادات النقابية العمالية وتنفيذ بعض مطالب الطبقة العاملة وغيرها من العوامل التي خففت من حدة هذا الصراع وهذه التناقضات..!

وبعودةٍ سريعةٍ إلى تاريخ المجتمعات البشرية يذكر لنا العديد من الثورات والانتفاضات الاجتماعية ضدّ الظلم والاستغلال، كثورة العبيد بقيادة اسبارتاكوس في روما.. كما حدثت انتفاضاتٍ عمالية مثل انتفاضة عمال شيكاغو والمذبحة التي تعرضوا لها، والتي أصبحت رمزاً ومناسبةً للطبقة العاملة عالمياً يُحتفل بها كل عام في الأول من أيار..

وهذه الثورات والانتفاضات كانت دائماً تترافق مع أزماتٍ حادة بسبب تطور قوى الإنتاج وتخلف علاقاتها عنها، أي التناقض الأساس بين العمل ورأس المال وتنتج عن ذلك حروب بين الدول، أو حروب أهلية في داخلها ..

ومع تطور الرأسمالية وتحولها إلى امبرياليةٍ، ومع كلً أزمةٍ من أزماتها، أخذت الحروب طابعاً عالمياً كالحربين العالميتين الأولى والثانية..

كما تقوم حركة ثورية، ومد ثوري عالمي من أجل تغيير النظام العالمي، وهذه الأزمات الدورية والمد الثوري المرافق لها يحدثان باستمرار ما بين 50 و100 عام وفق منحنى بياني يبدأ بتراجعٍ اقتصادي ثمّ انكماش، ومع تطور العلم والتكنولوجيا ووسائل الاتصال والتواصل يتعمق الصراع الطبقي وتزداد حدة التناقضات وبقي التناقض الأساس بين العمل ورأس المال هو المحرك لتطور المجتمعات وإن أخذ أشكالاً أخرى لذا تتسارع حركة التاريخ .. 

من أين تنطلقُ الثورةُ ..؟

بحسب ماركس وانجلز وكما نوهنا في البداية توقعا أن تنطلق الثورة من البلدان  الرأسمالية  الأكثر تطوراً على المستوى العالمي، لكنهما لم ينفيا إمكانية حدوثها في أمكنة أخرى.. وقد تنبأ كاو تسكي 1903 عندما كان شيوعياً وقبل أن تتغير مواقفه إلى  الإصلاحية الاقتصادية، أن يتحول مركز الثورة العالمي إلى الشرق ، وجاء لينين بنظريته الثورية واكتشافه لقانون التفاوت وإمكانية انتصار الثورة في الحلقة الأضعف من البلدان الرأسمالية روسيا، فأكد هذه النبوءة بقيام ثورة أكتوبر 1917 وقد استغرق ذلك أكثر من عِقدٍ ونيّف..وصار الصراع بين قطبين: الشرق والغرب.

لكن من أين

ستنطلق الثورة من جديد..؟

مع انهيار الاتحاد السوفيتي ومنظومة الدول الاشتراكية وانتهاء القطبية الثنائية، ومع تغلغل الرأسمالية الامبريالية وليبراليتها الجديدة وخاصةً الأمريكية وتزايد وحشيتها في كلّ أنحاء الكرة الأرضية، حاولت فرض هيمنتها وتفردها بالعالم كقطبٍ أوحد، لكن الطبيعة والحياة لم ولن تقبلا ذلك.. وفي ظلّ أزمتها الحالية التي أدت إلى تراجعها اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً، ربما ستكون نهايتها.. لعدم وجود مركزٍ بديل، وأماكن أخرى تمكنها من إيجاد مناطق نفوذٍ وأسواقٍ جديدة تخرجها من هذه الأزمة، وبعد تراجع منظريها عن نظرية صراع الحضارات واعتبارها نهاية التاريخ، يمكن ذلك إذا عاجلتها القوى الثورية بضرباتها..

ونتيجة وجود القوة النووية كقوة رادعة أصبح من شبه المستحيل قيام حرب عالمية ثالثة، لكن بما أنّ الحروب هي الرئة الحديدية التي تتنفس منها الرأسمالية، تلجأ إلى إثارة الحروب الإقليمية أو المحلية والصراعات الأثنية القومية والدينية والطائفية والقبلية وحتى العائلية وغيرها وكل ذلك حتى لا تعيد اقتسام الثروة، ولو أدى ذلك إلى إفناء قسمٍ من البشرية.. بل وتدمير الطبيعة.. مما سيسمح لها بتخفيف أزمتها وذلك بتنشيط صناعة الأسلحة وبيعها أو محاولة الخروج منها واستعادة هيمنتها على منطقتنا كونها المصدر الأساس للطاقة للمحافظة على الدولار كعملة تسعير عالمية..

وباعتبار أن مناطق الجنوب الفقير(ليس الجنوب الجغرافي) هي الحلقة (الأضعف) وهي الأكثر تضرراً من الأزمة الحالية هل يمكننا القول:

إن مركز الثورة العالمي سينتقل إلى الجنوب..؟

إنّ انتهاء القطبية الثنائية وبروز التعددية القطبية، وانفجار الأزمة الرأسمالية الحالية وخاصةً الامبريالية الأمريكية التي أصبحت في قطب وشعوب العالم كلها في قطبٍ آخر والذي أدى إلى نزول الشعوب إلى الشوارع يمثل انغلاق الأفق أمام الرأسمالية وبدء انفتاحه أمام الشعوب والحركة الثورية العالمية..

إنّ المنطقة التي تقع جنوب آسيا وأوروبا والممتدة من المتوسط إلى شرق بحر قزوين تجمعها روابط كثيرة جغرافية وتاريخية واقتصادية واجتماعية ومصالح مشتركة وعانت من الاستعمار القديم وما تزال تعاني من نهب الاستعمار الحديث لثرواتها واضطهاد واستنزافٍ لقواها البشرية وبالتالي يمكن أن تكون مركز انطلاقٍ للحركة الثورية في العالم وستواجه الامبريالية العالمية الصهيونية، كما أكد لينين: أن الشعوب خلال نضالها ضد الاستعمار ستندار إلى النضال ضدّ الرأسمالية..!

 إنّ الصراع العربي الإسرائيلي يشكل أحد أهم الأسباب للحركة الثورية في المنطقة والعالم ففيه تتكاثف فيه عوامل كثيرة وأهمها أنّ هذا الصراع يمثل أخطر أشكال الاستغلال وهو الرأسمال المالي العالمي الصهيوني وإسرائيل رأس حربتها في المنطقة، وطالما لم  يُحل هذا الصراع ويحصل الشعب الفلسطيني على حقوقه وأهمها قيام دولته وعودة اللاجئين  سيبقى محركاً أساسياً ومصدر إجماع لشعوب المنطقة . إنّ ما جرى ويجري وسيجري في بعض البلدان العربية، هو نتيجة أسباب اقتصادية اجتماعية وسياسية بحتة..بسبب السياسات الاقتصادية الليبرالية التي أهلكت العباد ودمرت البلاد..بسبب النهب والفساد..بسبب القمع الشديد وتغييب الحريات السياسية على مدى عقود أي على أساسٍ صراعٍ طبقي وسياسي ديمقراطي  ووطني يهدف إلى تحقيق التغيير والتحرير للأراضي المحتلة كفلسطين والجولان ولواء اسكندون ..

إن ما يحدث في بعض البلدان العربية رغم محاولة القوى الظلامية حرف الحركات الاحتجاجية إلى صراعات أثنية بدعمٍ من الإمبريالية والدول الرجعية وبمشاركة قوى القمع والفساد المهيمنة..لن يتوقف وسيمتد إلى بقية دول المنطقة وسيأخذ مداه في التغيير الجذري والشامل لكل البنى السياسية والاقتصادية الاجتماعية..حيث تأخذ الحركات منحىً متصاعداً وربما ستتحول إلى (ثورةٍ دائمة) بسبب الإصرار على الاستمرار، رغم الضخ المالي الكبير ومحاولات التشويه الإعلامي.. ورغم حجم القمع الوحشي والخراب والدمار، وعدد الشهداء الكبير وخاصةً في سورية..

لقد أصبحت هذه الحركات مصدر إلهام على المستوى العالمي حيث استخدم الحزب الشيوعي في مولدا فيا في تظاهرةٍ في العاصمة شعار(ارحل)..  كما أن حركة احتلوا وول استريت أكدت( لنجعل من وول استريت ميدان تحرير) وكانوا يحملون راية المنجل والمطرقة..

كما أنّ المتظاهرين من المزارعين وسائقي الجرارات في ولاية ويسكونسن الأمريكية رفعوا شعارات التضامن مع الثورة التونسية..

إنّ ما حدث في أمريكا الجنوبية منذ 2002 وفي أوروبا الجنوبية في 2008 وما يحدث في البلدان العربية منذ بداية 2011 يشير على أن الثورة سينتقل مركزها العالمي إلى الجنوب..

إنّ ما يشهده العالم وخصوصاً منطقتنا والبلدان العربية من حراك شعبيٍ بدأ عفوياً ، لكنه بدأ يتطور ويتحول إلى حراكٍ ثوريٍ وتحديداً مِصر.. كمركز ثِقل إقليمي بشري ولِمَا لها من تاريخٍ وإرثٍ حضاري، وبغض النظر عن التباينات في  تسميته: انتفاضةً أو ثورةً أو ربيعاً أو غيرها، لكنه لم يتبلور بعد ولم يفرز قواه الثورية الجديدة وهو يوحي أن مركز الثورة العالمي قد يتحول إلى الجنوب الفقير والسنوات القادمة حُبلى بالتغيرات التي لن تكون شكلية وإنما جذرية وشاملة ستغير وجه العالم فهناك فضاء سياسي عالمي يموت وهناك فضاء عالمي جديد يولد كما الشعوب تريد ..

بعد كلّ ما ورد، هل يمكننا التفاؤل منذ الآن كما أكّد المسرحي الكبير الراحل سعد الله ونوس:إننا محكومون بالأمل.. والتأكيد بالقول :

إنّ موسم الثورة قادمٌ من الجنوب..!