«فيينا»: الظاهر والكامن..
ترافق اجتماع مجموعة الدعم الدولية لسورية، يوم الثلاثاء الماضي في فيينا، بحملة إعلامية سوداوية حول أفق الحل السياسي في سورية وآجاله، وخاصة مع عدم إعلان موعد الجولة الثالثة من جنيف3 حتى الآن. والواقع أن إشارات عديدة سبقت هذا الاجتماع وضحت أن الدفع باتجاهه لم يكن روسياً، بل كان دفعاً من دول متعنتة، بينها تركيا والسعودية وبعض الدول الأوروبية.
ورغم استماتة المتعنتين في محاولة قلب فيينا إلى مكان لنسف الحل السياسي في سورية، فإنّ ما حصل عملياً هو العكس تماماً: جرى تثبيت البيان الروسي- الأمريكي المشترك ببنوده المختلفة (وقف الأعمال العدائية، المساعدات الإنسانية، التسوية السياسية) وتأكيد الأجندة الزمنية للقرار 2254 بل وتحديد موعد افتراضي تأشيري للمرحلة الانتقالية، والعمل على تطوير وقف الأعمال العدائية باتجاه تحويل الهدنة إلى هدنة دائمة، وذلك إلى جانب تعميق فرز المسلحين بين إرهابيين وغير إرهابيين لا على أساس الموقف من الحل السياسي والإرهاب عموماً، بل وعلى أساس موقف قسم منهم من «النصرة» تحديداً، «الموقف» الذي يتضمن التموضع الجغرافي لهذا الفصيل أو ذاك في «مناطق النصرة».
وأحدث نشاط عملي روسي بهذا الاتجاه هي المهلة التي حددها وزير الدفاع الروسي ببضعة أيام أمام واشنطن للتعاون في ضرب النصرة والمتحالفين معها ومن يستخدم منهم الحدود السورية التركية تمويلاً وتسليحاً، ما يعني إعلاناً روسيا واضحاً عن النية بتصفية «النصرة» وحلفائها خلال الأيام والأسابيع القليلة القادمة. وهو تلويح وتهديد في الوقت نفسه أنّ العملية سائرة بواشنطن ودونها، وأن الأفضل لها هو الالتحاق.
يكمن في أساس ما جرى في فيينا من محاولات لتغيير وجهة السير (الروسية- الأمريكية) نحو الحل السياسي، أوهام تسيطر على عقول متشددين من جهات مختلفة بإمكانية إحداث ردة ما في اتجاه التوازن الدولي الحاصل، وهو ما يعكس تخلف فهمهم عن واقع الأمور، وعن حقيقة قطع التوازن الدولي الجديد مراحل متقدمة من الترجمة السياسية والاقتصادية والعسكرية.
بالمحصلة، فإنّ العراقيل التي جرت وتجري، وبالتجربة الملموسة، لم تفعل سوى ما يلي:
أولاً: المعرقلون تزداد خسائرهم السياسية، وتضعف مواقعهم بشكل مطرد مع كل محاولة جديدة، بل ويزداد «خطر» عدم وجودهم نهائياً في اللوحة السياسية المقبلة.
ثانياً: كل عرقلة جديدة، وكل هجوم معاكس على اتجاه الحل السياسي، يدفع بأنصاره الدوليين (الراغبين منهم وغير الراغبين) إلى تثبيته وتسريع مساره.
هذا كله يبشر ليس باقتراب الحل فقط، بل وبطبيعة هذا الحل التي تزداد جذرية بشكل موضوعي مع كل عرقلة يواجهها، إذ أن تذليل العراقيل تعني ضمناً تذليل المعرقلين وإزاحة برامجهم، كلياً أو جزئياً.. وهؤلاء أنفسهم لا يملكون من برامج لسورية سوى برامج التبعية والنهب الرأسمالي، بمسمياتهما وأقنعتهما المختلفة..
الحل السياسي القادم لم يعد هيكلاً فحسب، بل وبدأ يكتسي برنامجاً موضوعياً بمعالم كبرى تتضح تباعاً.