د. قدري جميل في حوار مع الفضائية السورية: على الوطنيين السوريين صياغة تفسيرهم الخاص للمرحلة الانتقالية
أهلاً بكم بعد انقطاع وزمن لا بأس به لم نظهر على الفضائية السورية أو الأعلام السوري الرسمي بشكل عام أو على الأقل بصفته الطرف الآخر، ويبدو أن الفضاء السياسي الجديد الذي بدأ يتكون في سورية، يجري معه تكييف ثابت للأمام ويمكن أن يكون الإعلام السوري بطيئاً في تكييفه مع هذا الفضاء، لذلك لابد من إجراء تغيير في العادات والسلوك، بالتعامل مع الآخرين، من هنا أعتقد أن الإعلام السوري بدأ يتعلم ويتحمل الآراء الأخرى، وهذا بحد ذاته جيد رغم أن ذلك يتطلب القليل من الوقت مما يسبب تلك الانقطاعات.
بهذه المقدمة بدأ د.قدري جميل أمين حزب الإرادة الشعبية وعضو رئاسة الجبهة الشعبية للتغيير والتحرير لقاءه مع الفضائية السورية يوم الأربعاء الموافق 2/1/2013 بظهوره الأول في العام الجديد وفيما يلي مقتطفات من الحوار الذي أجرته الإعلامية رائدة وقاف:
د.قدري بدأت حديثك بمقولة التكييف السياسي، ماذا تقصد بذلك، لأن التكييف قد يبدأ بظرف معين؟ وهل بتغييره أم التكييف معه على الواقع الحالي؟!.
طبعاً لا! لأن التكييف يجري من الناس والأحزاب وجهاز الدولة باعتباره جزء من هؤلاء الناس والأحزاب، التكييف مع الوقائع الجديدة من الطبيعيي البدء بتغيير الواقع، ومن سنة الحياة أن يجري تغيير دائم ومن خلال تغيير وقائع الحياة التي تفرض ضرورات جديدة في القانون عادة قوة العادة السابقة تشد إلى الوراء، وللتخلص منها يتطلب ذلك مزيداً من الجهد من الجميع، من هنا أبدي سعادتي من التلفزيون السوري ما يقوم به نحو الاتجاه المطلوب الثابت لكنه بطيء، فمن خلال متابعتي للتلفزيون السوري ومشاهدتي لعدد من البرامج في الفترة الأخيرة أضحت جيدة، وخاصة من جهة ظهور وجوه لم تكن تظهر سابقاً وتاريخياً، وتطرح آراء غير تقليدية، وأعتقد أن الجميع من القائمين بدؤوا يتحملوا تلك الآراء والتعاطي معها لحين التكييف مع الظروف الجديدة.
انطلاقا من هذا كيف توصف الظروف على صعيد الحراك السياسي؟ هل هناك ظروف جديدة ومختلفة خاصة بعد الزيارة الثالثة للإبراهيمي وما تلاها من تصريحات سواء في موسكو أو القاهرة؟
إن أردت أن انطلق من زيارة الإبراهيمي تحديداً، فهذه الزيارة كان من المفترض أن تأتي لتعكس التفاهمات والتوافق الدولي الذي كان من الضروري أن يجري، لكن حسب ما فهمت أن هذا التوافق الذي من المؤكد سيجري أخيراً في خطواته الأولى بحاجة لتفاهمات كبرى من أجل تحقيقه، والملامح الأولى للاتفاق بدأت بإتفاق «جنيف» الذي يعتبر هاماً جداً، لكن هذا الاتفاق الذي أحدث اختراقاً في العلاقات الدولية فيما يخص الأزمة السورية، ما لبث بعض الموقعين عليه أن تراجعوا، وأقصد الغرب حيث تراجعوا عملياً عنه قبل أن يجف حبره، اليوم يجري إحياء اتفاق جنيف مرة أخرى!!
وهذا يجري بالتغييرات الجارية في الإدارة الأمريكية، مع التأكيد أني لست من هؤلاء الذين يقتنعون أن الإدارة الأمريكية بتغييراتها ستجري تغييراً في موقفها السياسي أو نهجها من حيث المبدأ، لكن يجب أن نكون واقعين ونفهم وندرك أن الأمريكان عمليون وقادرون جداً على التكيف مع الظروف الجديدة، لذلك هم جربوا خلال سنتين من الأحداث التي جرت بسورية من إجراء تغييرات بالقوة، حيث استخدمت في شكلها الأول التدخل المباشر الذي فشل بعد الفيتو المتكرر الروسي ـ الصيني، ومن ثم التحول لدعم التدخل غير المباشر، والذي أيضاً لم يعط النتائج المطلوبة، وأعتقد أنهم اليوم يفكرون ببدائل وخيارات أخرى، والسبب ليس من أجل سواد عيون السوريين أو انطلاقاً من مصلحة الشعب السوري، لقد سمعنا في الآونة الأخيرة ما جرى الحديث عنه حول «الهاوية المالية»، والتي تعتبر انعكاساً للأزمة الاقتصادية الرأسمالية العظمى التي تقف الولايات المتحدة الأمريكية كدولة رأسمالية في طليعتها، وبما أنهم عمليون وبما أن الأزمة قدرٌ لا مفر منه، وليس لها حل اقتصادي عملياً هم يعوون تماماً أنه بعد فترة قصيرة قدرتهم على التحكم بالأمور العالمية لن تكون ذاتها، أي أنه يجري تراجع بقدراتهم، من هنا لديهم تخوف جدي أن قدرتهم على الحصول على مكاسب جراء الأزمة السورية مع مرور الوقت في انخفاض، وعلى قاعدة المثل الشعبي «لكي لا يخرجوا من المولد بلا حمص» اعتقد أن على عهد الإدارة الجديدة التي هي في بقاء أوباما نفسه مع تغيير الطاقم السابق الذي تورّط في قضية التدخل المباشر وغير المباشر، الطاقم الجديد سيأتي مع مهمة جديدة وهي الوصول للأهداف السابقة نفسها لكن بوسائل سياسية، لذلك هناك تغيير بالتكتيك وهو الذي سينعكس في الموقف من اتفاق جنيف الذي يعتبر توافقياً بنهاية المطاف.
وبالرجوع لزيارة الإبراهيمي نجده في العقبات الكبيرة أمام تطبيق اتفاقية جنيف وأمام القوى التي لا تريد أن تطبق الاتفاقية وهذه موجودة في الغرب الأوروبي وأمريكا، أعتقد أنه أخطأ وخطؤه كان كبيراً، وقد تتحول مهمة المبعوث الدولي في خبر كان، وأولى أخطائه الكبيرة أنه طالب بتعديل اتفاق جنيف بشكل غير معلن إعلامياً لكن يمكن التقاطها، بينما المطلوب ليس تعديل الاتفاقية، لأن الاتفاق عليه جرى بشق الأنفس، وتعديله يعني «فرطه»، لذلك تعديله مرفوض، والمطلوب بأحسن الأحوال أن يجري تفسيره، خاصة وأن النقطة الغامضة والأساسية فيه تلك التي تتكلم عن المرحلة الانتقالية، وماذا نعني بها؟!
إن الغرب الأمريكي والأوروبي فسرها بشكل والروس والصين فسروها بشكل آخر، من هنا تنصب أمام القوى الوطنية السورية وأمام السوريين ككل مهمة كبرى اليوم أن يجروا التفسير الخاص بهم للمرحلة الانتقالية، وهذا ليس عيباً، فنحن أصدرنا الدستور الجديد بمادته الثامنة الجديدة لكن الانتقال من المادة الثامنة القديمة إلى الجديدة لم يتم لذلك بإمكاني القول: نحن بدأنا المرحلة الانتقالية بشكل بطيء، ولكن هذه العملية يجب أن تتسارع، بحيث أن نكمّل جميع مكونات ومقومات المادة الثامنة الجديدة في الدستور الذي أقر في استفتاء شعبي، وأن نقولها حتى ولو أجريت تعديلات ببعض مواد الدستور.
أفهم من هذا أن السوريين من وجه نظرك هم الذي سيحددون المرحلة الانتقالية، لكن لماذا من خلال متابعتنا نلاحظ تناقضات في المصطلحات التي تطلق خاصة فيما يتعلق بالوضع في سورية، فنجد أنفسنا أمام مصطلحات حمّالة أوجه وتخضع للعديد من التفسيرات منها موضوع المرحلة الانتقالية والحل السياسي أو حتى الحوار نفسه؟!
حين يكون هناك صراع قوى وبينها تناقضات ومضطرة أن تصل لاتفاقيات يجري صراع سياسي ودبلوماسي واختيار عبارات قابلة للتأويل لاحقاً وللاستخدام بشكل يحمّل أوجهاً عديدة، والذي بنهاية المطاف يفرض نفسه على هذا المصطلح تفسيراً بهذا الشكل أو ذاك هو تناسب القوى على الأرض، ولعلكم تتذكرون اللعبة الكبرى المتعلقة بالقرار /242/ في الترجمة بين النصين العربي والانكليزي في قضية الأراضي العربية المحتلة، والتي مازالت معلقة بعد أربعين سنة من إقراره.
لذلك النصوص الدبلوماسية قابلة للتأويل من خلال شكلها يؤجل الصراع حول نقطة محددة إلى أجل آخر، بحيث يستجمع كل طرف أوراقه وقواه حتى يعيد الكرّة، من هنا يأتي إصراري حول النقاش الدولي في المرحلة الانتقالية وتفسيرها، ومادام الموضوع هكذا فالأجدى على السوريين موالاة ومعارضة أن يقفوا عند هذه النقطة، ووضع رؤيتهم لها وتفسيرهم ومن ثم وضع الرسمة التي يريدونها لأن المرحلة الانتقالية ستبدأ بحوار جدّي بين القوى التي تريد إنهاء الأزمة السورية عبر منع التدخل الخارجي وإنهاء العنف، لذلك أصر دائماً على أن الحوار يجب أن يكون أولاً، وحكومة الوحدة الوطنية سيتم تشكيلها أخيراً، لكن هناك إجراءات لابد من أن تحصل خلال العملية مثل ما هي التعديلات الدستورية؟ ما القوانين التي بحاجة إلى تعديل؟ كيف ستتم الانتخابات التشريعية والرئاسية؟ كل هذه الأمور ستضع على طاولة الحوار، لذلك من اللحظة الأمريكان يحاولون أن يضعوا تفسيراً للمرحلة الانتقالية لكي يؤمن لهم الانتقال إلى الأهداف السياسية التي كانوا يريدونها أو تحقيقها عسكرياً، ولم يتمكنوا من ذلك، نحن الوطنيين السوريين معارضة وموالاة وبغض النظر عن خلافاتنا وهي جدية، وخاصة تلك القضايا المرتبطة بالاقتصاد وسياسة والمجتمع، لكن بالمقابل القضايا المتعلقة بالسيادة الوطنية مثل منع التدخل الأجنبي إنهاء استخدام العنف مبادئ عليا سامية لابد من الاتفاق عليها، ولا نقاش حولها أما سمات الأساسية للمرحلة الانتقالية فيجب الاتفاق عليها.
هناك خطوات قمتم بها على صعيد ائتلاف قوى التغيير السلمي، وكان هناك لقاء في طهران وموسكو ولقاء آخر مرتقب، ألم تطرحوا هذا الموضوع؟ وبالتالي هل تبلور وضع داخلي له علاقة بالقوى المتواجدة على الأرض، بحيث يكون أساسياً في المعادلة السورية حتى على المستوى الخارجي؟!
فيما يخصنا نحن بحزب الإرادة الشعبية والجبهة الشعبية للتغيير والتحرير منذ الشهر الحادي عشر لعام 2011 طرحنا فكرة حكومة وحدة وطنية ذات الصلاحيات الواسعة والرجوع إلى الوثائق يؤكد أن هذا المصطلح تاريخياً يرجع للجبهة الشعبية للتغيير والتحرير، وهي أول من أطلقته، واليوم أصبح حجم التبني للموضوع في اتساع رغم أن تفسيراته عديدة، لكن المهم الجلوس والاتفاق على الصيغة النهائية لحكومة الوحدة الوطنية ذات الصلاحيات الواسعة.
ثانياً أعتقد أن الظرف الموضوعي قد نضج من أجل الوصول إلى حل سياسي.
لكنك ذكرت في أحد لقاءاتك أن الدستور السوري بصيغته الجديدة أعطى صلاحيات واسعة وكاملة للحكومة وهي موجودة؟
عفواً... أنا قلت صلاحيات تنفيذية واسعة، والإبراهيمي أيضاً استخدم هذا التعبير أي أن الحكومة السورية تملك الصلاحيات التنفيذية الواسعة!! لكن هناك فرقاً بين صلاحيات تنفيذية وبين صلاحيات رسم سياسة وهذه القضية من النقاط المخفية التي لها علاقة بالمرحلة الانتقالية، لذلك السؤال هو ما الصلاحيات الفعلية للحكومة برسم السياسات، وأيّة سياسات؟! هذه القضية أيضاً موضع نقاش، فما المانع من توسيع صلاحيات الحكومة؟.
وهذا ما قرأناه ببرنامج الحكومة الذي طرح في مجلس الشعب على أن يكون هناك تحديد لكل هذه المفاهيم مثل الحكومة والدولة، وقد طرح هذا أيضاً بالبيان الأخير للحكومة؟
نحن نعمل بناء على الدستور الحالي النافذ الذي أقر، أما الصلاحيات التنفيذية فتعني أن هناك من يرسم السياسة، ودور الحكومة في رسم هذه السياسات هو التشاور مع السيد الرئيس الذي يرسم السياسة والحكومة تقوم بتنفيذه.
والحديث عن صلاحيات واسعة من الممكن أن تشي بشيء أخر، ومن الممكن أن يكون المقصود أن الحكومة يجب أن ترسم كل السياسات أو بعض الآراء قد تأتي برسم بعضها.... ممكن أن يظهر طرف ثالث ويقول السياسات العليا الكبرى المتعلقة بالدفاع والخارجية والآمن وبما أن النظام رئاسي فيجب أن تكون بيد رئيس الجمهورية، بينما السياسات الآخرى الاقتصادية الاجتماعية.. إلخ بيد الحكومة ليس التنفيذ فقط، وإنما برسمها أيضاُ ثم يبدو أننا نستبق الأمور قليلاً..
هذه التفاصيل التي يتدخل بها من يكون معنياً بالأزمة السورية، ولنتحدث حتى عن الإبراهيمي، أنت ذكرت أن الشعب السوري وقواه الحية هي المعنية بلورتها والسؤال: كيف سيقوم بذلك وينأى بنفسه من يدخل الأزمة السورية عن هذه التفاصيل؟!
الجالسون في الخارج والقوى الدولية دعيهم يقولوا ما يشاؤون، لأننا من سنجلس على طاولة الحوار ونتناقش ومن خلال ذلك نتوصل إلى توافقات، وقبل الجلوس على طاولة الحوار يمكن أن تصل النقاشات إلى الحدّية وبصوت عال وقد تظهر تناقضات في الآراء، ولكن ماذا يعني الحوار؟ الحوار في النهاية ليس مطلوباً من أجل الحوار أو كلام من أجل كلام!! الحوار مطلوب من أجل الوصول إلى تسويات وتوافقات، ومن ثم الوصول للحلول من أجل الوصول لتنازلات متبادلة بالمقارنة مع الرأي الأول الذي طرحه كل طرف بحيث لا تخرج هذه التنازلات عن المصلحة الوطنية العليا يجب تعلم هذه الفنون، لكن مع الأسف بسبب ضعف الثقافة السياسية ونتيجة ضعف الحريات السياسية تاريخياً وانخفاض منسوبه لم نتعلم قبول ثقافة الآخر والقدرة على تقديم التنازل من كلا الطرفين.
ماذا عن الغرب الذي يريد اختصار كل المعارضة السورية بكتلة هي التي أعطتها الشرعية؟
سأعود هنا للإبراهيمي الملاحظة الأولى محاولة تعديل اتفاقية جنيف، وهذه محاولة بائسة لن تنجح، الملاحظة الثانية حين قدم إلى دمشق قدمنا باسم قوى ائتلاف التغيير السلمي طلباً بلقائه من خلال رسالتين ولم يرد علينا، وعدم لقائه مع كل قوى المعارضة السورية ليس بسبب ضيق الوقت، وإنما هذا الموقف يشي بشيء آخر كما قلت سابقاً!!
هناك محاولة لإقصاء قوى معينة من المعارضة وتقديم وإظهار قوى أخرى، وهذه المحاولة هي بمثابة إرضاء القوى الخارجية أي الغرب والأمريكان، لذلك هذا الموقف مزعج أي عدم لقائنا مزعج من هذه الزاوية، كنا نتمنى من الإبراهيمي أن يكون على مسافة متساوية من الجميع.
وأنتم أصدرتم بياناً بهذا الخصوص؟
نعم وعبرنا عن استيائنا ونتمنى منه أن لا يكون فقط على مسافة واحدة بين النظام والمعارضة وإنما حتى بين المعارضات، وهو بسلوكه العملي بزيارته الأخيرة لم يتصرف على هذا الأساس، وهذا لن يساعد على حل الأزمة، وعدم لقاء الإبراهيمي لن يصف القوى في النهاية هناك قوى على الأرض هي التي ستفرض نفسها بوجود توازنات موضوعية، ولن يستطيع أحد القفز من فوقها لا الإبراهيمي ولا الأوروبيون والأمريكان، والشعب السوري هو من يقرر من سيمثله حتى كمعارضة.
سبق للدولة السورية عند الحديث عن الحوار القول أن لا فيتو على أحد، وموضوع المعارضة الوطنية أصبح واضحاً لكل من يقولها أو يستمع إليها وربما لها علاقة فقط بالتدخل الخارجي والفكر الاستعماري أما موضوع توحيد المعارضة فلم يطرح؟!
لا تم طرح ذلك!! والكلام الذي تقولينه حول عدم وجود فيتو على أحد كلام جديد وجيد جداً، وهو يقترب من موقفنا لأننا أكدنا أكثر من مرة بعدم وجود فيتو على أحد في حال الاتفاق على الثوابت العليا ومنع إقصاء أحد من أي طرف، لأن إقصاء أي طرف يعني عدم نجاح الحوار أو لم يعد حواراً، ولم يعد يعطي النتيجة المطلوبة منه، الآن الحوار مطلوب منه حضور جميع القوى للتحاور وحين معرفة وزن كل واحد نذهب لصناديق الاقتراع والانتخابات ونقرر ماذا سنفعل لاحقاً هكذا تبدو الرسمة العامة للمرحلة الانتقالية، لذلك هناك قوى لا تريد أن نبدأ الحوار، لأن الحوار إذا بدأ من الطبيعي أن ينتهي، وبذلك نكون قد انتقلنا لعملية التغيير أي أننا بدأنا إنهاء المرحلة الانتقالية، وإذا بدأنا بتغيير المنظومة السياسية والانتقال لمنظومة التعددية الحزبية حسب المادة الثامنة الجديدة يعني انتهاء المشكلة، لذلك هناك الكثير من يقطعون الطريق منذ بدايته لإيقاف الحل ومنع عقد الحوار يعني استمرار الأزمة وإحراق سورية من الداخل.
هل الأمريكان هم فقط من يرون هذا المشهد؟ وهل هناك قوى إقليمية وعربية بدأت ترى ذلك؟!
القوى الإقليمية هي تابع ومشتق، وليست قوى مستقلة ولها رأيها الخاص، هي في النهاية أداة تنفيذ، وأنا أصر أن السعودية وقطر وتركيا لا رأي مستقل لها، وإذا «عنّدت» ورفضت الموقف الأمريكي تصبح كما تريدها هي، وهم يعلمون أن الأمور جميعها تسير تحت التغطية الأمريكية وهذه تتطلب فهم شكل ومستوى وبنية العلاقات بين المركز الإمبريالي والتوابع المختلفة الموجودة لديه في الأطراف، لأن العلاقة بينهم هي علاقة إملاء وإذعان، لذلك هؤلاء ليسوا مستقلين والأمريكان هم قائد الأوركسترا التي تضم كل هؤلاء الذين ينفذون إرادة كونية والإدارة الأمريكية كممثل للرأسمالية العالمية ليست ضعيفة بل لديها قوة عسكرية واقتصادية لا يمكن إنكارها، لكن المشكلة أن هذه القوة في تراجع ووضعهم يسوء يومياً، ونحن في البلد وفي المنطقة لا نتوقف عند هذا الموقف لأننا لا ندرس تماماً جوهر الأزمة الأمريكية البنيوية وإلى أين تتجه؟ وما هي مخاطرها على النظام السياسي الأمريكي نفسه؟ ومخاطر الإمبريالية الأمريكية على المستوى الكوني، وبالتالي لا يفهم أسباب توجههم للقيام بهذه التصرفات.
هل سيؤدي ذلك إلى التوافق ما بين الإمبريالية الأمريكية والإسلام السياسي أو القوى التي تكون على الأرض القاعدة وغيرها أو جبهة النصرة هل في هذا الإطار يمكن أن يختل هذا المحور؟!
لا أرى أنه لن يختل، لأن الإسلام السياسي وطرفه المتشدد كجبهة النصرة هي أدوات تستخدم لتغطية التراجع الأمريكي في الظروف الحالية، والحفاظ على ما يمكن الحفاظ عليه عبر إدخال هذه المناطق في حالة من الفوضى باستخدام أدوات حديثة، لذلك أنا لا أعتقد أن هناك مستقبلاً سياسياً للإسلام السياسي أو المتشددين الإسلامين، في النهاية من هي جبهة النصرة؟ ماذا تريد؟ ما هو برنامجها؟ وهل آتية لأجل سورية أم لديها برنامج آخر؟ هم يريدون استخدام سورية كحطب من أجل مخططاتهم الحالية واللاحقة في سورية والعالم، وهم في نهاية المطاف أداة يستفيد منها الغرب، من هنا السوريون معارضة وموالاة، مسلحون وغير مسلحين يجب أن يتفقوا ضد المسلحين غير السوريين ومن في حكمهم وبذلك نخرج من الأزمة!!
سألتك موضوع القوى الدولية، لكن سأسألك بالتحديد موضوع جزئية الموقف الروسي والذي قرابة العامين من بدء الأزمة في سورية ثابت على موقف واحد لم يتغير، على ماذا أسس على استقطاب قوى أكثر مع موقفه؟
كلا! الموقف الروسي غير ثابت.
لكنه رفض تكرار السيناريو الليبي نهائياً في سورية؟
الموقف الروسي من سورية تغيير.
كيف تغير وعلى أي صعيد؟
أصبح صلباً أكثر من الأول.
إذاً هذا الثبات في الموقف ألم يؤسس لأرضية معينة في استقطاب قوى محددة حتى على صعيد الدول العربية أو حتى على صعيد المعارضة؟
الصين والروس والحلقة الأوسع دول البريكس موقفهم واحد عملياً بالمعنى السياسي الدولي ولديهم الحلقة الأوسع أيضاً من الدول المتوسطة الحجم القريبة منهم وهو تشكيل لمناخ دولي جديد سنجد آثاره بعد سنتين، لكن خلال السنتين يجب أن لا نسمح للأمريكان والغرب بحرق سورية، الآن التوازن الدولي يسمح بحرق سورية من الداخل، لكنه لا يسمح بالتدخل المباشر لذلك يجب إيجاد الحلول لأن ميزان القوى الدولي سيكون لمصلحة الشعوب وسيتغير ضد الأمريكان والغرب والأوروبي بالتأكيد، لكن من الصعوبة تحمل سنتين من الصراع الدامي وتدمير الاقتصاد وإنهاء الدور الوظيفي لسورية في المنطقة، لذلك يجب أن نكون أذكى من الخصم ونخرج من المصيدة التي يحاول أن يضعنا فيها، ونحل مشاكلنا شيئاً فشيئاً.
أما بخصوص الموقف الروسي فإذا أخذناه من خلال تطوره، فيمكن القول إن سورية كانت محظوظة لأن أزمتها جاءت بعد الأزمة الليبية، فتصوروا لو كان العكس؟ ماذا كان حصل؟!!.
الأزمة الليبية كانت القشة التي قصمت ظهر البعير، وتغير الموقف الروسي ـ الصيني بعدها جذرياً، وجاء استمراراً لموقف التسعينيات فالموقف الروسي المتنحي عن القضايا الدولية ظهر بالأزمة اليوغسلافية، ومن ثم العراقية، الليبية أي على مدى من 1991 ـ 2010 ما يقارب العشرين عاماً وهذا التراكم أدى إلى التغيير الذي رأيناه.
في ظل هذه الممارسات الغربية فلنتوقف عند استمرار الحصار وتفاقمة، هل هذا يمكن أن يكون متاحاً؟ وبالتالي هذا يقودني إلى السؤال عن معالجة الأزمة الحالية بشقيها الداخلي خاصة وأنه يتم دائماً استهداف ما يمكن أن يثير أزمة اقتصادية أو تنموية أو اجتماعية حتى ما بين الشعب والحكومة كيف سيتم معالجة ذلك حسب المعالجات الإبداعية لا التقليدية كما جاء في البيان الحكومي؟
في البيان الحكومي حين تشكيلها، وهو ما نحاول أن تقوم به لأن المعالجات الإبداعية غير مسبوقة لا أحد فعلها سابقاً، لذا لابد من القول أن الوضع الاقتصادي كان صعباً، وقبل شهرين كان يمكنني القول أنه أصعب لأن ملامح المخارج لم تكن واضحة، وقلت سابقاً أن هناك مشكلتين النقل الداخلي والتحويلات الخارجية عبر النقل والتحويلات المصرفية التي أوقفت بسبب العقوبات الجائرة من الأمريكيين والغرب الأوروبي التي ساهمت بتدهور الوضع الاقتصادي وبالرجوع لأوضاع البلدان التي حوصرت يؤكد ذلك باستثناء كوبا، لذلك جميع الذين ينتقدون الوضع الاقتصادي لهم الحق، لكنهم في كثير من الأوقات ينسون أن هذه العقوبات لعبت دوراً كبيراً في التأثير على الوضع الاقتصادي، لذلك يمكن القول أن الغرب نفسه الذي يذرف دموع التماسيح على الشعب السوري هو ذاته الذي ساهم في خلق أزمة المازوت والخبز والغاز وأزمة الليرة السورية، هو يقول أنه يريد إسقاط النظام، والذي حصل على أرض الواقع أنه صوب نيرانه على النظام بالإعلام، ولكن فعلياً أصاب بنيرانه الشعب السوري وهذا الغرب الذي يتباكى أكبر دليل على كذبه هم هؤلاء اللاجئين خارج الحدود السورية، والذين أرقامهم بمئات الآلاف، فما الذي يمنعهم من إيجاد ظروف حياتية لائقة لهؤلاء؟ ما الذي يمنعهم من دعمهم بكل أنواع الدعم؟! أما في الداخل فقد كانت قبل شهرين خطيرة لكننا فتحنا خطوط التمويل الخارجي، وبدأت الأزمة تخف، وخاصة في المازوت والخبز والشعب لامس ذلك، أما الغاز فسعر الأسطوانة مرتبط بالوضع الأمني العسكري بوصول المادة أو عدم وصولها ثانياً لها علاقة بدرجة الفساد ثالثاُ لها علاقة بدرجة نشاط المواطنين في الدفاع عن حقوقهم وتنظيم صفوفهم وردعهم للفاسدين ستؤمن المواد.
المواطن يقول المواد موجودة لكنها تخضع للاحتكار وتجار الأزمة، هل هذه أيضاً من مسؤوليات المواطن خاصة أنتم كوزارة معنية في حماية المستهلك؟
بالتأكيد ليست من مسؤولية المواطن بل مسؤولية الحكومة مجتمعة، والوضع العام، مسؤولية الحصار والوضع الأمني والعسكري، نحن نعيش وضعاً استثنائياً وهو عملياً حرب وفي هذه الحالات يجب التعامل معها على اساس أزمة شديدة لا يمكن في الأوضاع العادية أن تحل الأوضاع الاستثنائية بشكل عادي، لذلك مطلوب قوانين استثنائية لمكافحة الفساد، الفاسد ليس أقل خطراً من الإرهابي المسلح، بل يمكن أن يكون في بعض الأحيان أكثر ضرراً.
ماذا حصل بمشاريع القوانين التي أنتم بصدد طرحها لحماية المستهلك أو تنظيم السوق؟
أصبحت جاهزة وفي الاجتماع القادم للحكومة سندرس ونبحث في أول قانونين، فيما يخص العقوبات الاقتصادية ورفع مستواها في الظروف الحالية، فبعض المواطنين وحتى المسؤولين يقترحون أن نرفع درجة العقوبة للحد الأقصى في القضايا الاقتصادية التي تهم المواطن من أجل ردع الفاسدين لأن مستوى ردعهم تشريعياً وقانونياً مازال منخفضاً.
بالنهاية الأزمة التي نعيشها محصلة مركبة لعدة جوانب وهي حصار، أزمة داخلية لتقطع الطرق، عدم قدرة جهاز الدولة على إيصال المواد والتحكم بالأسعار، درجة تنظيم المواطنين لصفوفهم.
لقد استطعنا أن نوجد في الحصار ثغرات وستظهر آثار ذلك خلال الأسابيع القليلة القادمة، لكنها لن تعمل تغييراً دراماتيكياً إيجابياً في يوم واحد، بل ستظهر تغييرات على مدى شهرين أو أكثر ثم تظهر النتائج بكامل حجمها، لكن الأزمة بالمعنى العام والاقتصادي لا يمكن أن تزول إذا لم نصل إلى حل سياسي شامل.