الافتتاحية: حتمية انتصار الحل السياسي.. واقعاً ملموساً

تلقى متشددو الطرفين ضربات قاسية خلال الأسبوعين الماضيين، والتصعيد الأخير كان إيذاناً بانفراط عقد أوهام الإسقاط والإسقاط المضاد، فواقع التوازن الدولي والتوازن الداخلي ودرجة الإنهاك العالية التي وصلت إليها الأطراف المتشددة كافة كانت تؤكد باستمرار وفي كل لحظة ومع كل تصريح أو خطوة جديدة أن الحل السياسي يقترب رغم كل الزوابع الكلامية والأمنية، والتصريحات المتواترة من الأطراف المختلفة الداخلية والدولية بدأت تحقق انعطافاً سريعاً نحو تأييد الحل السياسي لتعبر بذلك عن وصول التراكم إلى ذروته، وعن إقرار معلن أو ضمني بما قلناه مراراً من أن لا مخرج بغير الحل السياسي، ولا ينفي بالمقابل أن كل طرف سيحافظ على أهدافه وسيعمل على شكل محدد للمرحلة الانتقالية يخدمه في الانتقال نحوها، ولذلك فإن مهمة صياغة المرحلة الانتقالية بحيث تؤمن الخروج من الأزمة وتثبت الوحدة الوطنية وتفتح الطريق أمام التطور اللاحق لسورية هي مهمة من طراز وطني رفيع..

 

إن المرحلة الانتقالية قد بدأت فعلاً منذ إقرار الدستور الجديد، ذلك أن جوهر المرحلة الانتقالية هو الانتقال من المادة الثامنة القديمة مادة الحزب الواحد، إلى المادة الثامنة الجديدة إلى سورية التعددية، وهو أمر ليس بهين على الإطلاق.. فالمادة الثامنة القديمة لا تقف عند حدود نصها بل تشكل منظومة متكاملة في شكل الحكم، تشكل جوهر النظام السياسي القائم وطريقة توزيع السلطات ودرجة الفصل الهشة بينها، وضعف الرقابة الشعبية وبالتالي فساد جهاز الدولة، وتمثل مادة الحزب الواحد أيضاً مدخلاً لتقييد الحياة السياسية وبالتالي مدخلاً خلفياً لانتماءات ما قبل الدولة الوطنية، إن المادة الثامنة القديمة باختصار شكلت عبر عقود أحد أهم العقبات أمام تطور سورية، وسمحت بحدوث ثغرات واختراقات في جهاز الدولة وفي المجتمع شهدنا آثارها الكارثية خلال عمر الأزمة..

وإذا كان إلغاء المادة الثامنة القديمة يشكل المدخل لإلغاء نتائجها، إلا أن إلغاءها ما يزال حتى حينه حقوقياً وحبراً على ورق له بعض ظلال خفيفة تنمو على أرض الواقع ببطء وبصعوبة نتيجة لممانعة الفساد الكبير داخل جهاز الدولة، الممانعة التي يؤمن العنف والتطرف مناخها الوحيد المناسب. ولذلك فإن البدء بالحوار وإطلاق العملية السياسية سيوفر الظروف الضرورية لتسريع عملية الانتقال، فإذا كان الجزء الأول من المرحلة الانتقالية يقضي أيامه الأخيرة المتبقية التي بدأت منذ إقرار الدستور وستستمر حتى بدء الحوار، فإن جزءها الثاني سيرتكز إلى منطق يقر الأمور التالية:

ينبغي أن تؤمن المرحلة الانتقالية خروجاً حقيقياً من الأزمة، الأمر الذي لا يمكن إنجازه وفقاً لصيغة وعقلية المرحلة السابقة من جهة، ولا يمكن وطنياً القبول بالصيغ التي تناسب أمريكا وحلفاءها، ولذلك فإن صيغةً ثالثة سورية يجب أن تصاغ.

يجب أن تثبت المرحلة الانتقالية الوحدة الوطنية وتفتح الطريق أمام بناء سورية الجديدة المستندة إلى التعددية

ولأن الشيطان يختبئ في التفاصيل، فإن جملة من المسائل يجب أن تلقى نقاشاً جماهيرياً واسعاً وعلنياً يقطع الطريق على محاولات سلب السوريين إرادتهم وبلدهم، المحاولات التي لن تتوقف، ومن هذه التفاصيل:

- تركيبة حكومة الوحدة الوطنية وصلاحياتها.

- التعديلات الدستورية.

- قانون الانتخابات البرلمانية وآليات تطبيقه.

- كيفية انتخاب الرئيس.

- العلاقة بين السلطات.

- الاتجاه الاقتصادي للدولة، ومحددات دورها الاجتماعي.

إن المرحلة الانتقالية في جوهرها هي تسريع لعملية الانتقال نحو سورية التعددية، ولذلك فإن احتمالات إعادة إنتاج البنية السابق الأحادية وإن بشكل جديد لا تزال طموحاً أمريكياً، وهي –أي أمريكا- لن تّدخر جهداً في ذلك، وستعمل على إيجاد طريق يوحد المتشددين للالتفاف على عملية الانتقال، وهو أمر وإن كان خطيراً في جانب، ولكنه إيجابي في جانب آخر هو كشفهم أمام الشعب السوري ومحاصرتهم والتخلص منهم دفعة واحدة..