ستيركوه ميقري ستيركوه ميقري

الدستور السوري ومبدأ الفصل بين السلطات

من المؤكد أن مبدأ الفصل بين السلطات يعتبر من المبادئ الأساسية المعتمدة في دساتير الدول في العصر الحديث، فهو يكرس الحريات العامة والخاصة بمعنى  الحرية للجميع وضمان حقوقهم، واحترام القوانين، وحسن تطبيقها تطبيقاً عادلاً وسليماً، ويمنع ظواهر الفساد والاستبداد بشكل كلي وتام ونهائي، كما أنه يساهم مساهمة أساسية إن لم تكن وحيدة، في تحسين أداء وظائف الدولة وإتقانها ويحصن أداءها ويعتبر وسيلة وحيدة لتفتيت السلطة ومنع تركيزها في هيئة واحدة على نحوٍ يهدد حريات المجتمع والأفراد ويعرض الحقوق للخطر.

والحديث عن مبدأ الفصل بين السلطات يقترن باسم الفقيه والفيلسوف الفرنسي المشهور البارون تشارلز لويس مونتيسكيو، الذي كرسه وشرحه عبر مؤلفه الشهير «روح القوانين» سنة 1748، حيث قام بدراسة آراء من سبقوه، ثم صاغها صياغة جيدة، وعرضها عرضاً واضحاً ودقيقاً، ولذلك كان من حقه في الفكر السياسي أن ينسب إليه هذا المبدأ، ويرتبط باسمه.

الأسس التي يقوم عليها

مبدأ الفصل بين السلطات

يقوم مبدأ الفصل بين السلطات على الأسس التالية:

1- وجود مادي لثلاث سلطات أساسية في النظام السياسي، وهي السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والسلطة القضائية.

2- يجب أن تتمتع كل سلطة منها بصلاحيات واختصاصات أصيلة ومحددة في الدستور الذي يعتبر القانون الأساسي للدولة.

3- ضرورة أن تتمتع كل سلطة منها باستقلال نسبي عن الأخريات في عملها وفي آليات اتخاذ القرارات، وبما يسند لها من صلاحيات، بحيث يتمتع مبدأ الفصل بين السلطات بالمرونة، فليس المطلوب إقامة سياج مادي يفصل فصلاً تاماً بين سلطات الحكم، بل بالتعاون مع تبادل الرقابة فيما بينها على أن تكون رقابة متبادلة وفعالة بحيث تمارس كل منها صلاحياتها تحت رقابة السلطات الأخرى لضمان التزام كل سلطة بحدودها.

4- لا يجوز استئثار أية سلطة من السلطات الثلاث سابقة الذكر بصلاحيات مطلقة في تنفيذها للمهام الموكولة لها، بمعنى الحيلولة دون الاحتكار المطلق للسلطة فقد ظهر مبدأ الفصل كسلاح فعال من أسلحة الكفاح ضد الحكومات المطلقة التي كانت تعمد إلى تركيز جميع السلطات بين يديها.

مزايا نظام الفصل بين السلطات

يتميز هذا المبدأ بميزات ثلاث هامة هي:

1- احترام حرية مبدأ سيادة القانون، وهو أصل من الأصول الدستورية، ويترتب عليه أنه لا يمكن للسلطات العامة القائمة في بلد ما أن تمارس سلطتها إلا وفق قوانين مكتوبة صادرة وفق الإجراءات المتفقة مع الدستور في بلد معين. من أجل تحقيق مبدأ الحماية ضد الأحكام التعسفية في كل الحالات الجماعية والفردية، هذا من جهة، ومن جهة أخرى لا يحق لأي من هذه السلطات الثلاث أن تهيمن أو تمارس أو تتعدى على السلطة الأخرى، فلا يحق مثلا للسلطة التنفيذية أن تسن القوانين دون إقرارها في السلطة التشريعية، فإذا جُمع التشريع والتنفيذ بيد واحدة زالت عن القانون صفته الأساسية، وهي كونه قواعد عامة مجردة توضع للمستقبل ولكل الحالات دونما نظر إلى الحالات الخاصة التي قد تؤثر في حيادها وعموميتها، وهذا ينطبق على السلطات الثلاث تماما.

2- تحسين أداء العمل والوظائف وإتقانها بالدولة: إن تقسيم الوظائف على هذا النحو يؤدي إلى تخصص كل سلطة من هذه السلطات بالمهام الموكلة إليها، وإتقان كل سلطة لعملها، وقيامها به على خير وجه، مما يحقق في النهاية حسن سير العمل في كل المجالات الرئيسية في الدولة: التشريعية والتنفيذية والقضائية.

3- سيادة الحريات ومنع الاستبداد بالدولة: إن الصلة بين سيادة الحريات وبين مبدأ مشروعية الدولة مرهون بصيانة الحرية لكي تأخذ الدولة مشروعية في وجودها، كما أن  توزيع السلطات الثلاث على هيئات مستقلة بعضها عن بعض أمر ضروري ولا بد منه، وذلك لأن اجتماعها وتركيزها في يد واحدة يؤدي إلى فساد السلطة واستبدادها، وتجاوزها للحدود الدستورية والقانونية، والإضرار بحقوق الجماعات والأفراد مما يعرض حرياتهم للخطر.

مبدأ فصل السلطات في الدستور السوري

لقد أخذ الدستور السوري بمبدأ الفصل بين السلطات، فأفرد في بابه الثاني ثلاثة فصول ينص الفصل الأول في المادة 50 على أنه: يتولى مجلس الشعب السلطة التشريعية على الوجه المبين في الدستور، وتنص المادة 71 على الاختصاصات التي يتولاها المجلس، وتحدث الفصل الثاني عن السلطة التنفيذية حيث بينت المادة 93 الدور المناط برئيس الجمهورية ومهامه التنفيذية بكونه الرئيس الأول للسلطة التنفيذية والمادة 115 على مجلس الوزراء وإشرافه على تنفيذ القوانين والأنظمة ومراقبة عمل أجهزة الدولة ومؤسساتها، والمادة 127 على الاختصاصات التي يقوم مجلس الوزراء بممارستها، أما الفصل الثالث فيتحدث عن السلطة القضائية في المادة 131 التي تنص على أن: السلطة القضائية مستقلة ويضمن رئيس الجمهورية هذا الاستقلال، يعاونه في ذلك مجلس القضاء الأعلى.

من خلال قراءة نصوص هذه المواد الواردة في الدستور يتبين لنا أن الدستور قد أخذ بشكل واضح عند وضعه بمبدأ الفصل بين السلطات نظرياً، ولكن ما طبق عمليا هو هيمنة السلطة التنفيذية هيمنة كاملة فكيف تم ذلك؟.

هيمنة السلطة التنفيذية

مما لا شك فيه أن أهم نتيجة من نتائج إقرار حالة الطوارئ وسريانها طيلة أكثر من 48 عاما كانت تعطيل الدستور باعتباره القانون الأول والبوصلة التي تحدد سير قوانين الدولة بمعنى أن أي قانون يصدر يجب أن يتوافق مع الدستور، وقولا واحدا لا بد من قوله إنه بدلا من الفصل بين السلطات جرى مزجها وتذويبها و تمركزها في قبضة السلطة التنفيذية، وأصبحت السلطتان التشريعية والقضائية في قبضتها، وتعملان وفق توجيهاتها ومنهجها وهيمنتها، وكانت لهذا الوضع المقلوب نتائج كارثية غير محمودة، ونرى آثارها الآن والتي تأتي عمليا كنتيجة حتمية لخرق مبدأ الفصل بين السلطات فماذا جرى؟.

السلطة التنفيذية ومنحها صلاحيات خارقة تعارض الدستور:

لقد حصلت السلطة التنفيذية من فرض حالة الطوارئ على أسلحة فتاكة رفعتها في وجه المجتمع والأفراد وجعلتها تهيمن هيمنة كاملة بحيث أضحت كل قوى المجتمع وسلطاته لا تعمل إلا بأوامرها ووفق إرادتها، مما أدى إلى استفحال المشاكل بدلا من حلها، والوقوع بأزمات خانقة نتيجة فقدان الحلول، وتحول الأزمات إلى كوارث لا تقل هولا عن تسونامي الزلزال الذي يأتي على الأخضر واليابس على الحلو والمر على الخير والشر وعلى الحسن والسيئ إلا وفق إرادة السلطة التنفيذية فيما تريد، وباعتبار أن هم رئيس الجمهورية ينصب في متابعة الشأن الخارجي باعتباره رئيس دولة ممانعة تقف في وجه مخططات التحالف الصهيوأمريكي، فقد ضعف الأداء الحكومي خصوصا وضعفت إنتاجية الأداء عموماً، وذلك لغياب مبدأ المحاسبة ومراقبة التنفيذ، ولولا هذا الغياب لما انتشر الفساد بهذه الضخامة وبهذه الآلية غير المسبوقة وأضحت الحكومة غير عابئة إن نجحت خططها أم فشلت، قوي اقتصادها أم ضعف، توسع القطاع العام أم تقلص بفعل الخصخصة الخجولة الجارية بهياكله، ضرب سوء الإدارة والجفاف القطاع الزراعي أم لم يضرب حققت العدالة أم لم تحقق، حلت المشاكل أم استفحلت عاش المواطن أم لم يعش، انتشرت البطالة أم خفت تعلم الجيل أم لم يتعلم، وأخيرا حفظت كرامة الوطن والمواطن أم لم تحفظ ، وكل هذه الأمور ما كانت لتستقيم في ظل حكومة قوية إطلاقاً، فالحكومة القوية تأخذ شرعيتها من الشعب وليس من المادة الرابعة لقانون الطوارئ، المعطلة للدستور الذي ينص صراحة على أنه لا يجوز اتخاذ أي إجراء يقوض الحرية الشخصية ويمس الملكية الخاصة والمسكن أو مراسلات واتصالات الشخص إلا بإذن قضائي مسبق، ولذلك سادت القوة في أكثر الأحيان عند إيجاد الحلول والتي دائما ما تأتي جزئية وليست شاملة وإذا ما فكر البعض جماعات أو أفرادا في توجيه الانتقادات للأداء الحكومي كانت المواجهة و كم الأفواه هو الحل فإن لم يعط هذا الحل أكله، كان الحل الأمني هو الحل الأمثل من خلال قمع الحريات العامة والخاصة، ووضع سقوف للكلام لا يجوز تجاوزها، ويصل الأمر أحيانا إلى الاعتقال، بل وتقديم البعض للمحاكمة حسب قوة اللهجة واتجاهها وحتى القوى السياسية الموجودة داخل الجبهة والتي منحت هامشا ديمقراطيا تدور في فلكه، ولا يحق لها أن تتجاوزه، وتلك التي ما زالت خارجها، تم استيعابها وتحولت المعارضة الحقيقية والتي يشكل وجودها ضرورة حيوية إلى معارضة وهمية في ظل المحاباة التي سادت عملها السياسي والجماهيري، وأصبح الشارع السوري فارغا من قواه المحركة له، وفاتحا المجال الواسع لتدخل السياسة في الدين مع أن المطلوب هو فصلها عنه حتى لا يستخدم كمطية له من أجل تنفيذ أجندات معينة، وانتشرت بين الشباب  اللامبالاة وضعف الارتباط بالوطن والنزوع إلى الهجرة، كما انتشرت الواسطات والمحسوبيات، وعم الفساد أجهزة الدولة سواء لدى كبار الموظفين إلى الصغار منهم، وانتشر ما يسمى بثقافة الفساد والاعتماد على الحلول الفردية على مبدأ «ربي أسألك نفسي» ومحاولة الحصول على أعلى المراكز بانتهازية فاقعة كونها أقصر الطرق للحصول على المال سواءً كان مشروعا أم لا، الأمر الذي فكك أواصر المجتمع وبنيته، وحدث هبوط حاد في المنظومة الأخلاقية له، وإذا أضفت إلى كل ذلك سوء استعمال السلطة فأنت أمام لوحة فسيفسائية قاتمة لا تعبر عن الواقع ولا عن العدالة الاجتماعية ولا الديمقراطية. 

السلطة التشريعية

وإصدار قوانين مخالفة للدستور

لقد هيمنت الحكومة على السلطة التشريعية هيمنة شبه كاملة وذلك بدءا من ترشيح الأعضاء إلى انتخابهم إلى أدائهم الوظيفي، ذلك أن انتخابات مجلس الشعب تعتمد على قانون قديم ، تكون فيه كل محافظة دائرة انتخابية واحدة، لها حصة من المجلس بحسب عدد سكانها، والتصويت فيها يتم على الأفراد، لذلك عادة ما تكون موجهة ولا بد للمرشح حتى ينجح أن يحوز على رضى السلطة التنفيذية والأجهزة الأمنية فيها وإلا فإن الفشل في الحصول على عضوية المجلس هو النتيجة، وبدلاً من أن يكون عضو المجلس ممثلا للشعب يتحول إلى ممثل لشخصه المرتهن لدى السلطة التنفيذية، فصار مصفقا أكثر منه مشرعاً ومصوتاً وصار تلميذاً طائعا أكثر منه أستاذا قادرا على محاسبة الحكومة على أدائها في تنفيذ القوانين التي يقرها. بل إن الحكومة تحولت بسبب هيمنتها على السلطات مشاركة في التشريع بسبب غموض النص في أغلب الأحيان، وذلك من خلال ما يسمى بالقرارات التنفيذية التي يصدرها الوزراء المعنيون أو الهيئات المحددة والتي تأتي أحيانا بتفسيرات تغير أو تعطل سريان القانون إلا بشروط تضعها هي ولم ينص عليها القانون صراحة، وخير مثال على ذلك شرط توفر /50 كلم/ لينال الموظف المسافر بمهمة رسمية إذن السفر، وهذا الشرط لم يأت قانون العاملين الموحد على ذكره بتاتا، كما أدت هذه الهيمنة إلى إجبار القانون على إصدار قوانين مخالفة لنص الدستور كالقانون رقم عشرة وتعديلاته، والذي سمح للمستثمرين أن يتملكوا العقارات وقانون العمل الأخير الذي عطل حق العمل، وقد كفله الدستور عندما منح أرباب العمل حق تسريح العامل تسريحا تعسفيا بدون ذكر أسباب موجبة لذلك.   

السلطة القضائية وانتشار الفساد: إن مهمة القضاء الأولى هي الحفاظ على تطبيق القوانين ومعاقبة كل من يخالفها وعدم التسلط والاستبداد بمعنى أنه لا يجوز العقاب إلا بنص (لا جريمة إلا بنص)، كما لابد من إحقاق الحق عند الفصل بين المتخاصمين وقد نص الدستور على أن السلطة القضائية مستقلة تتولاها المحاكم وتصدر أحكامها وفقاً للقانون كما أن القضاة مستقلون ولا يجوز لأي سلطة التدخل في شؤون العدالة، ومن أولى مهامها أن تمارس دور المراقبة على السلطتين التشريعية والتنفيذية وذلك عبر استقلاليتها بالذات·

وتتشكل السلطة القضائية من المحاكم علي اختلاف أنواعها (جزائية ومدنية) والقضاء الإداري (مجلس الدولة)، ومجلس القضاء الأعلى·

ويلعب القضاء دوراً هاماً في الرقابة القضائية على دستورية القوانين وتفسير نصوصها التشريعية ويحمي حقوق وحريات وقيم المجتمع والمواطن، وقولا واحدا نقول أن هذه الاستقلالية الواردة بالمادة 131 من الدستور مغيبة تماما حيث أن وزارة العدل تعتبر الموجه الأول للقضاء وفي أحيان كثيرة تتحول الحكومة إلى خصم وحاكم معا وذلك تطبيقا لقول المتنبي لسيف الدولة عندما قال له: فيك الخصام وأنت الخصم والحكم.. إن هذا الوضع الذي جعل القضاء السوري تابعا وليس مستقلا، شكل تربة ملائمة للفساد الذي انتشر في مفاصل المجتمع كافة، فصار الحق باطلا والباطل حقا بفضل الأموال التي تدفع كرشاوى من أجل ذلك، وأصبحت القوانين مطاطية تطول لتبلغ البعض وتقصر كي يتهرب البعض منها، وأصبحت بعض المحاكمات صوريّة وعندما تنعدم استقلاليّة القضاء تنعدم مصداقيته وتنعدم شرعيته وتتقوض العدالة أي الإنـصاف، والإنصاف لا يتحقق من دون أن يكون القضاء مستقلا استقلالا تاما عن الســلطة التــنفيذية للدولة. وتلك الاستقلاليّة تدخل في نطاق الاستقامة الأخلاقية للحاكمين والمحكومين على السواء.

الصحافة الموجهة

و ضعف المحاسبة ومراقبة التنفيذ

تنص المادة 26من الدستور على أنه: «لكل مواطن حق الإسهام في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وينظم القانون ذلك». كما تنص المادة  38 على: «لكل مواطن الحق في أن يعرب عن رأيه بحرية علنية بالقول والكتابة وكافة وسائل التعبير الأخرى، وأن يسهم في الرقابة والنقد البناء بما يضمن سلامة البناء الوطني والقومي ويدعم النظام الاشتراكي، وتكفل الدولة حرية الصحافة والطباعة والنشر وفقا للقانون».

وباعتبار أن الصحافة (صاحبة الجلالة) تعتبر عرفا السلطة الرابعة، فقد أصبحت هذه السلطة بوقا للدفاع عن السلطة على مبدأ «أنصر أخاك ظالما أو مظلوما»، وأصبحت كل ميادينها المقروءة والمسموعة والتلفزيونية تحت سيطرة الحكومة تأتمر بأمرها وتعمل لمصلحتها، وباعتبار أن حرية الصحافة شرط لفضح الفساد وإبراز رموزه ومنبر لمراقبة كل مفاصل الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتحت شعار أن الإشارة إلى الأخطاء جسيمة كانت أم صغيرة يسيء لسمعة الوطن خارجياً، أضحت الصحافة مقيدة ومكبلة، فأحجمت على ولوج هذه المنطقة المحرمة، وعلى الرغم من أنها تعرف جيدا تلك المقولة التي تقول: «لا أريد لأحد أن يسكت عن الخطأ أو أن يتستر عن العيوب والنواقص» إلا أنها عملت وتعمل عكسها تماما، ورغم دخول القطاع الخاص إلى هذا الميدان خصوصا في مجال الصحافة المسموعة والمرئية عبر الصحف والمجلات والقنوات الإذاعية والتلفزيونية والمواقع الاليكترونية، والتي لا يستطيع إلا أصحاب رؤوس الأموال الكبيرة من الدخول إلى هذه المجالات المكلفة، أصبحت أيضا هذه الصحافة (الخاصة) ذيلاً وتابعاً للصحافة العامة وهي شكلا تعطي انطباعا بأن هناك حرية للصحافة في حين أنها تخدم أجندة من يمولها من أصحاب رؤوس الأموال الكبيرة، وتبقى تحت طائلة سحب الترخيص أو الحجب إذا تعدت الخطوط الحمراء الموضوعة أمامها، أما صحافة الأحزاب المنطوية تحت جناح الجبهة الوطنية التقدمية فليست أحسن حالا من غيرها فهي مراقبة باستمرار ولا يحق لها أيضا أن تتجاوز السقف الموضوع لها، وأصبحت الصحافة المحلية عموما ترى الأخطاء التي ترتكب دون أن تشير إليها لا من قريب أو من بعيد باختصار أن «صاحبة الجلالة» الصحافة فقدت أحد أهم الأدوار المطلوبة منها اجتماعيا وشلت الحكومات المتعاقبة أية حركة يمكن ان تقوم بها من أجل إجراء الإصلاحات المطلوبة عند حدوث الخلل، بل أصبح الوضع أن تتراكم الأخطاء لتنفجر لاحقا في شكل كوارث يصبح تجنبها  أو حلها أمرا صعبا ومكلفا.

خاتمة متفائلة

باختصار فإن الفصل المقصود بين السلطات هو ذلك الفصل المتوازن في توزيع الصلاحيات والمسؤوليات بين هذه السلطات مع قيام قدر من التعاون فيما بينها لتنفيذ وظائفها في توافق وانسجام، ويحد من هيمنة أي منها على الشأن العام  والشأن الخاص، وهو أمر لا يمكن له أن يتحقق إن لم نسارع وبشكل جدي من أجل إنهاء حالة الطوارئ وإعادة الدستور للعمل كأب شرعي لكل القوانين وحافظ أول لكرامة الوطن وكرامة المواطن.