جميل: الاتفاق الروسي- الأمريكي تاريخي لأنه يجبر كذلك الدول المتورطة على وقف إطلاق النار
عقد د. قدري جميل عضو قيادة جبهة التغيير والتحرير، وأمين مجلس حزب الإرادة الشعبية، مؤتمراً صحفياً في وكالة «ريا نوفوستي» في العاصمة الروسية موسكو ظهر يوم الاثنين 29/2/2016 تناول فيه آخر تطورات الوضع في سورية، ولاسيما الإعلان عن استئناف مفاوضات جنيف3 في أعقاب الإعلان عن وقف إطلاق النار في البلاد. وفيما يلي أجزاء من المداخلة الرئيسية التي قدمها في مستهل المؤتمر، بعد شكر المنظمين والصحفيين على الحضور:
الأزمة السورية دخلت في مرحلة جديدة، ستتميز بتسارع الأحداث فيها. من اليوم فصاعداً فإن مدة شهر أو أسبوع من الأزمة السورية ستعادل أشهراً وسنوات في أحداثها وتطورها بالمقارنة مع الفترة السابقة.
فسحة أمل..
قبل أن يدخل وقف إطلاق النار حيز التنفيذ كثيرون كانوا غير آملين بأنه سيطبق، ولكن بعد مرور اليوم الأول بنجاح نسبي كبير، وبعد وصولنا لليوم الثالث، بدأت تظهر فسحة أمل جدية أمام الشعب السوري، وهذه الفسحة ستتسع. وأقول أن هذا الاتفاق تاريخي، لا لأنه وقف إطلاق نار بين أطراف سورية متحاربة فحسب، بل لأنه بالدرجة الأولى إجبار للدول المتورطة في الأزمة السورية على وقف إطلاق النار، أي أن وقف إطلاق النار هو بين دول، ومن جانب دول. ما رأيناه مؤخراً من خروقات هامة لوقف إطلاق النار جرت من قبل دول إقليمية لا يلقى في نفسها هذا الاتفاق هوىً ولا يعجبها، ورغبتها الحقيقية هي في أن يفشل هذا الاتفاق، وتحاول أن تضع رهاناتها عبر إعلامها على أساس أن هذه الرغبات واقع. ولكن الوقائع الجارية تكذب هؤلاء جميعهم لأن اتفاق وقف إطلاق النار صمد.
إن نجاح وقف إطلاق النار في سورية وحل الأزمة في سورية على أساس قرار مجلس الأمن سيسجل سابقة هامة جداً وستعمم وتصبح نموذجاً لحل الأزمات التي نراها أمامنا، في اليمن والعراق وليبيا.. وفي فلسطين، نعم. لماذا أقول هذا الكلام؟ لأن هذا الاتفاق هو تعبير عن ميزان قوى دولي جديد، وهو إن انعكس في الأزمة السورية فهو لن يتوقف عندها وسيتوسع تأثيره إلى مناطق التوتر والأزمات كلها. وعندما كنا نقول أن عالماً جديداً يولد فإنه فعلاً يولد، وهنا يحضرني فكرة قالها المفكر الكبير غرامشي: تأتي لحظات في التاريخ، الجديد يولد فيها، ولكن لم يولد بعد، والقديم يموت، ولكن لم يمت بعد. في هذه اللحظة قبل انبلاج الفجر أي قبل موت القديم والولادة النهائية للجديد، في هذه اللحظة لحظة انبلاج الفجر وعادة تكون العتمة شديدة، تظهر الوحوش الكاسرة. وهو ما نراه عندنا، الوحوش الكاسرة المتمثلة بداعش وجبهة النصرة وأخواتها هي تعبير عن لحظة تاريخية، قديم يموت وتفلت من أيديه قدرة التحكم بالأمور والمقدرات، ووليد جديد لم يولد ولكن قواه غير كافية للإمساك بالتطور القادم. في هذه اللحظات العصيبة تظهر قوى من هذا النوع ولذلك مهمتنا تسريع ولادة الجديد، وهو ما سيقضي على الوحوش، الجديد هو العلاقات الدولية الجديدة، هو مجتمعات مدنية علمانية ديمقراطية، هذا هو الجديد الذي نسعى إليه.
مليارديرية سورية الجدد
حول استمرار المفاوضات في جنيف، تلقينا فعلياً دعوة من السيد دي ميستورا بالذهاب إلى جنيف في «التاسع» من هذا الشهر، وستستمر حسب تقديره حتى الرابع والعشرين من آذار، وأريد أن أقول لكم الآن أن الاتفاق الروسي الأمريكي حول وقف إطلاق النار ساري المفعول، وسترافقه إجراءات مختلفة «لجان الإشراف ومراقبة على وقف إطلاق النار ووصول المساعدات الإنسانية للمناطق المحاصرة» إن هذا الأمر وما جرى وما سيجري سهّل لنا نحن المعارضة وسهّل للنظام قطع نصف الطريق المطلوب قطعه للوصول إلى اتفاق نهائي وشامل حول الأزمة السورية. اليوم أعتقد أن المطلوب منا كسوريين، معارضة وحكومة، تثبيت اتفاق وقف إطلاق النار وتطويره بحيث يمتد زمنياً إلى فترات أكبر، والاستمرار في تكثيف المساعدات الإنسانية إلى المناطق المحاصرة كلها. وهنا تنتصب مهمة جديدة يجب أن لا ينساها أي مسؤول سوري، إن كان في الحكومة أو في المعارضة، هذه المهمة مرتبطة بأن الشعب السوري كله محاصر من العقوبات الأوروبية والغربية المفروضة من جانب واحد. هذه العقوبات أضرت بالسوريين العاديين، لذلك بعد أن تحل بشكل كبير مشكلة المناطق المحاصرة، يجب أن يوضع على جدول الأعمال المنطقة المحاصرة الكبرى وهي سورية. إن حل هذه المشكلة سيساعد على تخفيف آلام وعذاب السوريين. نخب النظام لم تتأثر بالحصار، بل أقول لكم أكثر من ذلك: من هنا أو هناك، النخب في النظام أو بعض النخب على الأرض التي ترتبط بالمجموعات المسلحة يمكن أن تدخل في مجموعة غينيس للأرقام القياسية في نهب الثروات وتجميع النقود في الظروف الحالية لسورية. اليوم في سورية أعداد المليارديرية فاق أعدادها في كل تاريخها.
المطلوب توافقات جدية..!
إن الوضع الجديد يتطلب منّا كمعارضين أن نتحاور مع الحكومة السورية بشكل جدي، ومطلوب منها أن تتحاور معنا بشكل جدي حول آفاق تطور سورية القادم، وهذه القضية أصبحت على جدول الأعمال. وأقول لكم بصراحة نحن كمعارضة سنقدم اقتراحات عملية وملموسة فيما يخص هذه النقطة. وأقول لكم بصراحة أكثر نحن كجزء من المعارضة، كجبهة وكحزب لدينا برنامج واضح ومفصل حول الجوانب كلها المتعلقة بتطور سورية اللاحق، الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، ونتمنى أن نتوصل مع وفد النظام إلى التقارب أو اتفاق أو إعلان عن كل ما نتفق عليه، كي يكون نتيجة لاتفاق السوريين المشاركين في الحوار. والمطلوب منا أن نناقش تشكيل حكومة تتحمل مسؤولياتها لتنفيذ قرار مجلس الأمن بتفاصيله كلها، وأن نضع الإطار العام للتغييرات الدستورية المطلوبة التي تستحقها سورية الجديدة، ومطلوب ثالثاً تنفيذاً لقرار مجلس الأمن أن نحضّر من خلال النقطة الأولى «الحكومة والدستور» للانتخابات النيابية والرئاسية القادمة ضمن المهل الزمنية التي وضعها قرار مجلس الأمن.
«لم يعد لديهم الحيل والقوة والإمكانية للاستمرار بالطرق السابقة»
والتقت إذاعة سبوتنيك الروسية يوم الثلاثاء 1/3/2016 مع د. قدري جميل أمين حزب الإرادة الشعبية وعضو قيادة جبهة التغيير والتحرير وفما يلي مقتطفات من الحوار:
حول الأسس التي استند إليها في القول أن الأزمة السورية دخلت مرحلة جديدة مع وقف إطلاق النار، قال د. جميل: «في البداية هناك شيء كنّا نراه منذ فترة طويلة واليوم أصبحنا نراه بشكل أوضح، وهو عمق الأزمة في العالم الغربي واضطرارهم للتراجع ولملمة أمورهم والذهاب إلى تسويات سياسية في تلك المناطق التي كانوا يوترون الأمور فيها، فلم يعد لديهم الحيل والقوة والحيلة والإمكانية للاستمرار بالطرق السابقة. النقطة الثانية، البعض كان يحلم بحل الأزمة السورية عبر الصراع الداخلي، ولكن لم يكن يفهم أن توازن القوى الدولي ينعكس على الأزمة السورية وبالتالي هي بلا حل من ناحية محاولات الحسم والإسقاط، وبالتالي الإصرار على الحسم عند نقطة معينة بعد تراكم خمس سنوات ممكن أن يودي بهذه الأزمة أن تكون صاعقاً لإشعال فتيل حرب إقليمية وحتى عالمية وأشك بأن القوى الإقليمية والعالمية تريد حرباً بهذا الحجم، فهم مضطرون أن يذهبوا إلى كلمة سواء حتى يطفئوا هذه البؤرة التي يمكن أن تلتهب من ورائها المصائب».
وعن الموقف من انتخابات مجلس الشعب المزمع إجراؤها في نيسان القادم، قال: «الأمور تقاس بنتائجها، أنا أعلم أن هناك قراراً من مجلس الأمن «2254» ويحتوي انتخابات مجلس شعب بنهاية الفترة التي تمتد 18 شهراً بعد تغيير الدستور وبعد إنشاء حكومة صاحبة صلاحيات من أجل القيام بالمهمة المنوطة بها، ما يجري الحديث عنه الآن في نيسان هو غير الحديث عن هذه الانتخابات المزمع قيامها على أساس قرار مجلس الأمن، فهذان أمران مختلفان. وحول تقييمنا للانتخابات وبما أن الأمور تقاس بنتائجها، هل تضر بالعملية السياسية؟؟ هل تفيد العملية السياسية؟؟ هل أنها لا تؤثر على العملية السياسية؟؟ أعتقد أن من السابق لأوانه إعطاء أحكام نهائية حول هذا الموضوع لذلك نؤجل الجواب على هذا الموضوع إلى لحظة الانتخابات في حال تمت».