آفاق الدور الروسي!
لم يعد الحديث عن الدور الروسي المتصاعد مجرد، تنبؤ، ورغبات، بعد أن تاكد هذا الدور بحكم الوقائع الملموسة، في العديد من الملفات الدولية، لا بل بات واضحاً أن الروس انتزعوا زمام المبادرة في بعض هذه الملفات، مثل الملف السوري.
ربما ما سيجري حوله التباين في الآراء لاحقاً، هو آفاق الدور الروسي، وتأثيراته المفترضة؟
إن التقدم الروسي يملأ الفراغ الناتج عن تراجع الدور الأمريكي، وبالتالي هو تقدم موضوعي ومستمر، بحكم أن الطرف المتراجع غير قادر على إيقاف تراجعه، على خلفية أزمته العصية على الحل، و محاولته العبثية حل هذه الأزمة على حساب دول العالم، الأمر الذي يضعه في تناقضات أخرى متجددة مع شعوب العالم.
إن هذا التقدم يتم استناداً إلى إمكانيات دولة تمتلك ما يقارب الـ 40% من الثروة العالمية، ووزناً عسكرياً كبيراً، وتمتلك إرثاً ثقافياً وحضارياً يتناقض مع إرث الطرف الآخر المتراجع، ويتقاطع في الوقت نفسه مع مصالح شعوب العالم، في إطفاء بؤر التوتر، وإحلال السلام، الأمر الذي يعطيه زخماً متجدداً دائماً، وليس أدل على ذلك الصدى الإيجابي للدور الروسي في الأزمة السورية مؤخراً.
إن التناقض بين الخيار الروسي والأمريكي، ليس مجرد تناقضٍ بين دولتين عظمتين، كما يحاول البعض أن يقول، بل هو أيضاً وفي العمق تناقض بين مفهومين في العلاقات بين الدول والشعوب، مفهوم قائم على احترام سيادة الدول وحق الشعوب في تقرير مصيرها، ومفهوم قائم على فكرة التابع والمتبوع.
إن الصراع الجاري في عالم اليوم، هو أحد أشكال المواجهة مع النظام السائد المعبر عن مصالح الرأسمال المالي العالمي، والذي أكد ويؤكد على تفسخه، ورجعيته، بدلالة ما أنتجه من تحديات أمام البشرية، خلال عقدين من استفراده بالقرار الدولي، وخصوصاً تحدي الحروب، بمعنى آخر، أن التناقض في جانب منه، هو تناقض بين قوى الحرب وقوى السلام، أي أن المواجهة الروسية تخص حركة شعوب العالم كافة، وإن كانت ماكينة الدعاية الغربية المتمرسة في التضليل تحاول إخفاء جوهر الصراع حتى الآن.
وباعتبار أن الحرب صفة ملازمة لهذا النمط من الرأسمال، فإن هذا الصراع يفتح الباب موضوعياً أمام ضرورة البحث عن نظام اقتصادي اجتماعي بديل.
باختصار، إن الآفاق تتسع أمام القوى الحية في المجتمع البشري، لتقول كلمتها، في سياق تطور الصراع، مستفيدة من الإرث الثوري العالمي السابق بدءاً من كومونة باريس، ومروراً بثورة اكتوبر، وانتهاءً بما تمخضت عنه الحرب العالمية الثانية، ومطوراً إياه في عصر الثورة العلمية – التكنولوجية، وإذا كنا نشهد ارتباكاً وتخبطاً في الصف الأمريكي، وشبكة حلفائه على مساحة العالم، فإن هذا التخبط، هو أول الغيث، ويشكل دليلاً إضافياً، وتأكيداً على حجم المأزق الذي تمر به القوى الدائرة في الفلك الأمريكي.