ثلاثي التعنت: «الشغب» خارج حلبة التوازن
بات تعنت الثلاثي «التركي - القطري - السعودي» ملفتاً حيال الحل السياسي للأزمة السورية، فما زال هذا الثلاثي يحاول إعادة الأزمة إلى المربع الأول، ووضع الشروط المسبقة لأي حل سياسي، رغم التراجع الواضح في مواقف مركز القرار «الأمريكي – الأوربي» الذي طالما كانت هذه الدول تابعاً أعمى له.
التوريط الأمريكي!
كانت واشنطن قد أوهمت الجميع بإمكانية تمرير الخيارات الأمريكية فيما يتعلق بالأزمة السورية، مرة من خلال محاولة الضربة العسكرية المباشرة، ومرة من خلال إدامة الاستنزاف السوري، وعلى هذا الأساس فإن الجهاز التنفيذي الإقليمي للمشروع الأمريكي، المتجسد بهذا الثلاثي، هرب بعيداً إلى الأمام في هذا الميدان، ومع صعود الدور الروسي عالمياً، وحضوره العسكري المباشر مؤخراً، والتراجع الملحوظ للدور الأمريكي، حشر هذا الجهاز في الزاوية الضيقة، بحيث أن العودة عن مواقفه تلك، تعتبر مشكلة بعد تلك التعبئة الإعلامية والمالية والعسكرية كلها من جهة، ومن جهة ثانية الاستمرار في الموقف مشكلة، بعد تظهير التوازن الدولي الجديد، وإقرار أغلب القوى الدولية بضرورة الذهاب إلى الحل السياسي، بحيث أصبحت مواقفها نشازاً حتى في أوركسترا ما كان يسمى بـ«أصدقاء سورية»، والسؤال هو: ما هي خلفيات هذا التعنت، وما هي حظوظه ومآلاته؟
تعتبر القوى الحاكمة في هذه البلدان، جزءاً من منظومة الرأسمال المالي العالمي، وإحدى حلقاته، وعليه فإنها موضوعياً تشكل امتداداً للتيار الفاشي في الدوائر الغربية، وإن كان بنكهة أيديولوجية خاصة، ذلك التيار وإن خفت صوته مؤخراً، فإن العسكرة والحرب تبقى خياره الوحيد، و بعد أن وصل الخيار الداعشي المباشر كأداة لذلك إلى طريق مسدود ومفضوح، فإن هذه القوى الإقليمية يمكن أن تكون بدائلاً لمنع إطفاء الحرائق الملتهبة، بالتالي يمكن القول، إن موقف هذا الثلاثي من الحل السياسي في سورية، داعش باسم آخر، فمواقفها هي موضوعياً استمرار لوظيفة داعش، كأداة فوضى خلاقة.
كما أن المراكز الفاشية الدولية، تسعى جاهدة إلى استمرار دور هذه القوى، كاحتياطي مفترض لإشغال الروس، واستنزافهم، من خلال تعنت هؤلاء، الذي يفتح الباب لمزيد من التوتر الإقليمي.
إن البنى الطبقية الحاكمة في هذه البلدان، وبما تملك من ريع مالي، وفائض نقدي، على خلفية تراكم البترودولار تاريخياً، أو تورّم في الدور الإقليمي بعد توريطها أمريكياً، تبحث لها عن حصة ودور ما لاحقاً، لا سيما وأنه بات واضحاً بالنسبة لها تراجع الدور الأمريكي الاضطراري، الذي كانت تستمد قوة حضورها منه، وليس من شيء آخر.
إن ذهنية، وثقافة، وطرائق تفكير النخب الحاكمة في هذه البلدان، تجعلها غير قادرة على التكيف مع الجديد، على عكس قوى المركز الرأسمالي المستعدة لتغيير خياراتها وأدواتها، والقبول بالوقائع الدولية الجديدة، بما تمتلك من ثقافة براغماتيه، وقدرة على المناورة، على مبدأ «أي شيء أفضل من لاشيء»، في حين ينطلق هؤلاء التلامذة الكسالى من مبدأ، «كل شيء أو لا شيء»
صفعات متتالية
جاء توقيع الاتفاق النووي الإيراني، وقبله لجم الضربة العسكرية المباشرة لسورية، بمثابة صفعات متتالية لحكام هذه البلدان الذين تعودوا على وضع البيض كاملاً في السلة الأمريكية، وبعد التراجع الأمريكي تشعر هذه القوى على ما يبدو باليتم، وليس أمامها سوى الشغب خارج حلبة التوازن الجديد بهدف الحفاظ على مواقعها، وجل ما تستطيع فعله هي محاولات إعاقة لا أكثر ولا أقل، سرعان ما سيتم إزالتها بعد أن حسمت القوى الصاعدة خياراتها بتثبيت وتظهير التوازن الدولي الجديد، باعتباره المحرك الأساسي لكل العمليات الجارية في جغرافيا العالم، لاسيما وأن هذه القوى الإقليمية تفقد بشكل يومي مصادر «قوتها» فالريع النفطي يتراجع بحكم انهيار أسعار النفط، والقدرة العسكرية – في الحالة التركية تحديداً- باتت ملجومة بحكم الحضور الروسي، ناهيك عن التناقضات الداخلية في هذا الثلاثي، الذي سيفرض عليه انكفاء على الداخل.