بادرت موسكو.. فماذا بعد؟!
في سياق مستوى التدويل المرتفع للأزمة السورية المستمرة منذ قرابة خمسة أعوام في مقابل ارتفاع منسوب التهديد الإرهابي الذي بات يمثله تنظيم داعش وأشباهه، العابرون للحدود والجنسيات والبلدان، باتت محاربة الإرهاب مهمة محلية وإقليمية ودولية. وهي المهمة ذاتها التي التفت عليها واشنطن بتحالفها الستيني، الذي انحصرت نتيجة «جهوده»، على مدى عام كامل، بتمدد قوى الإرهاب وتوسعها، على اعتبار أن ذلك يستكمل الوصول إلى الغاية الأمريكية ذاتها: الاستفادة من قوى الإرهاب في محاولات فرض مشاريع التفتيت الأمريكية، وسط ادعاء واشنطن محاربتها. وإن هذا الواقع تحديداً هو الذي استدعى الوجود العسكري الروسي في سورية، وبدء الضربات الجوية الروسية فيها، والتي تعني بدء عملية جدية لمحاربة الإرهاب.
بكلام آخر، وإذا كانت موسكو، في سياق الصراع العالمي على ترجمة ميزان القوى الدولي الجديد، مضطرة لأخذ زمام المبادرة عسكرياً، في مواجهة تعطيل واشنطن المستمر للحل السياسي للاستعصاء السوري، مستفيدة من تمدد داعش على الأرض السورية تباعاً، رغم ما تزعمه هي وتحالفها من مكافحة هذا التنظيم، فإن إحداث التوازن العسكري على الأرض مع الأدوات الفاشية المخدِّمة للولايات المتحدة، هو أمر ضروري ومطلوب، باتجاه تغيير المشهد الميداني نحو انحسار الإرهاب لدحره، ولكن تكلل هذا الجهد بالنجاح سيكون مشفوعاً فقط بمزيد من الدفع نحو الحل السياسي المنشود في سورية. وهنا ينبغي التأكيد على أن مواجهة واجتثاث الإرهاب الداعشي والقاعدي في سورية هما ضرورة دولية وإقليمية وسورية، ولكن يضاف إلى ذلك في قائمة الضرورات السورية مسألة إحداث التغيير الوطني الديمقراطي، الجذري والعميق والشامل، سياسياً واقتصادياً اجتماعياً، عبر الحل السياسي على قاعدة بيان جنيف1، بما يوقف العنف، والتدخل الخارجي بأشكاله كلها، ويطلق العملية السياسية فيما بين السوريين أنفسهم، بعيداً عن منطق الإملاءات والشروط المسبقة، أياً كان شكلها وصيغتها ومصدرها.
إن الرؤية بالعمق المطلوب، لمستوى تعقد وتشابك المشهد السوري، وتفاقم الكارثة الإنسانية السورية بملفاتها وأوجه معاناتها المختلفة، واستحقاقات ومتلازمات حل الأزمة حلاً حقيقياً، لا يعيد إنتاجها، هي كفيلة بأن تفسر تباين المواقف لدى مختلف أطراف النزاع السوري من المبادرة الروسية التي أعلن أصحابها صراحة وبلا مواربة أنهم يشنون الحرب على الإرهاب للحفاظ على الدولة السورية ويتوقعون المرونة الكافية من تلك الأطراف فيما يتعلق بالحل السياسي للأزمة السورية، أي أنهم يشنون حرباً عسكرية بأهداف سياسية محددة.
وربما هذا ما يفسر جزئياً ذاك السعار، وتلك الهستيريا الإعلامية من الإعلام الأمريكي والخليجي الاستباقيين على الضربات الجوية الروسية، لأنها وببساطة تسحب البساط من تحت كل ما بنته من أوهام وخطط، سوقتها على امتداد السنوات الماضية من عمر انفجار الأزمة السورية، وشكلت لها هياكل سياسية وإعلامية وتنظيمات مسلحة، ضمن هدف نهائي لا يتمثل بالحرص على الشعب السوري، بل بالقضاء عليه وعلى بلده. ويقابل ذلك إعلام النظام وتوابعه ومتشدديه الذين لا يريدون أن يروا من الدخول الروسي المباشر اليوم سوى تثبيت المنظومة السياسية والاقتصادية الاجتماعية السابقة التي استنفدت احتمالات استمرارها كما هي، وبالكامل.
وإن حجم الضخ الإعلامي المضاد و«المشيطن» لروسيا وأهدافها في سورية، ومجدداً على نحو استباقي، وقبل الانتظار الموضوعي لنتائجها المفترضة، يشير إلى مستوى الامتعاض من معرفة هؤلاء المسبقة باحتمالات النجاح الروسي جدياً بمكافحة الإرهاب، بالتلازم مع الدفع نحو الحل السياسي التوافقي والواقعي، المفضي إلى التغيير الجذري المستحق في البلاد، أي الانتصار الجدي للسوريين، بما يحافظ على وحدة بلدهم أرضاً وشعباً ومؤسسات. ولننتظر و نر!!