جميل: مر عام على القصف الأمريكي لـ«داعش» لم نشهد خلاله إلا تمدد الإرهاب
أجرت قناة العربي الجديد التي تبث من لندن، مساء الأربعاء 30/9/2015، لقاءً تلفزيونياً خاصاً مع د.قدري جميل، أمين حزب الإرادة الشعبية، عضو قيادة جبهة التغيير والتحرير، وذلك بالتوازي مع إعلان موسكو إطلاق عملياتها الجوية في سورية استهدافاً لتنظيم «داعش» الإرهابي، وأشباهه.
الأعمال تقاس بالنتائج
ورداً على سؤال استهلالي حول ما إذا كانت الغارات الروسية ستقطع الطريق أمام أية استراتيجية أمريكية روسية مشتركة لمحاربة داعش في سورية، أعرب جميل عن اعتقاده بأن «العكس هو الصحيح، وأن هذه الضربات ستفتح الطريق لاحقاً نحو تفاهمات أكبر لإنشاء ذلك التحالف الدولي المطلوب لمحاربة هذا الوحش الجديد على شاكلة ما جرى بين الشرق والغرب في أربعينات القرن الماضي». وأوضح أن ما جرى في الأمم المتحدة هو «تفاهم الحد الأدنى الضروري اليوم وسنرى كيف ستتطور الأمور»، مشدداً على أن «ما شهدناه خلال عام من ضربات التحالف الدولي بدون تفويض من الشرعية الدولية لم يكن إلا توسع داعش وتمدده، ولذلك من المبكر اليوم الحديث عن الضربات الروسية لأن الأعمال تقاس بنتائجها».
التغير في الموقف الأمريكي
وفي جواب عن سؤال حول مدى إمكانية تحقيق تفاهم روسي أمريكي في ظل التباين بين الجانبين بخصوص إشراك النظام السوري في الحرب على الإرهاب وبخصوص الدعوة الأمريكية لرحيل الرئيس الأسد أولاً، قال جميل: «أعتقد أن التوافق على وجوب ضرب داعش جرى وانتهى، ولكن ضرب داعش هو شيء وهام، ولكن كيف يتم ضربه وفي أي إطار سياسي فهو موضوع مازال النقاش مفتوحاً عليه»، لافتاً إلى أن وزير الخارجية الأمريكي جون «كيري أعلن أنهم قد أجلوا موضوع الرئيس بشار الأسد في المرحلة الانتقالية، ولذلك أشهد أنا تقارباً أكثر فأكثر في الملف السياسي بين الروس والأمريكيين. الأمريكيون منذ أربع سنوات إلى الأمس كانوا مصريين كشرط مسبق إحداث التغيير السياسي الذي يجب أن يكون هدف المرحلة الانتقالية. أما اليوم فيقولون أن إحداث هذا التغيير سيضر بمؤسسات الدولة»، مشيراً إلى أن هذا ما كان يقوله منذ بداية الأزمة.
وفي إجابته عن سؤال استطرادي مرتبط بسابقه أجاب أن تصريحات الرئيس الأمريكي باراك أوباما في الجمعية العامة للأمم المتحدة «ملتبسة وتقبل التأويل. دعونا ننتظر ونرى كيف يتطور الموقف الأمريكي. الموقف الأمريكي يتغير ولو ببطء، ولكنه يتغير. وأعتقد أن موضوع ما هو مستقبل سورية، وما مستقبلها السياسي، ومن سيقودها، هو بالذات موضوع الحديث في المرحلة الانتقالية، وهو بالذات ما ينبغي حسمه هناك. ولذلك يجب ألا تفرض شروط مسبقة، لا برحيل الرئيس ولا ببقائه. هذا الموضوع يحسم بين السوريين على الطاولة».
مستقبل وجود سورية على المحك
كما شدد جميل عن أن «خطر داعش كبير جداً على بلدان المنطقة وأنظمتها وشعوبها كلها»، وأن تجربة السنوات الماضية من عمر الأزمة السورية أثبتت أن «الخلافات والمواجهات بين أبناء الشعب الواحد لم يستفد منها إلا المرتزقة الأجانب الممولين من الخارج، والذين عاثوا فساداً في أرضنا، وبرنامجهم لا علاقة له نهائياً بمشاكل سورية».
ورداً على سؤال عن مدى إمكانية محاربة النتائج أو عزلها دون محاربة الأسباب الحقيقية فيما وصل إليه الوضع في سورية ومسؤولية النظام في ذلك، أكد جميل أنه لا يمكن فصل النتائج عن الأسباب، موضحاً أنه «هناك أسباب متسلسلة ونتائج متسلسلة عن هذه الأسباب. أنا أوافقك الرأي أن النظام يتحمل مسؤولية كبيرة فيما وصلت إليه الأمور، ولكن نحن في نقطة بات فيها مستقبل الدولة السورية مهدداً، ومستقبل الشعب السوري الذي يجرد من أرضه مهدداً، لذلك يجب التركيز- إن أردنا أن نكون واقعيين ونتكلم بشكل ملموس- على الخطر الأساسي»، وبالتوازي مع محاربة الإرهاب «أن نبدأ نقاشاً فورياً وجدياً، بين السوريين الوطنيين، من مختلف الاتجاهات، إن كانوا من الموالاة أو المعارضة، عن مستقبل سورية، وكيفية التوافق بين الطرفين، وكيفية الوصول إلى المصالحة الوطنية»، معرباً عن اعتقاده بأن خلافات السوريين يمكن حلها سياسياً ولكن «اليوم ونتيجة تعقد الأوضاع، والأخطاء الجمة التي ارتكبت من الطرفين، هناك أجنبي موجود على أرضنا قدم من 80 بلداً يعيثون فساداً ويذبحون ويهددون مستقبل الدولة السورية، وإذا لم ينزل عقل الرحمن علينا في هذه الفترة فبعدها لن يكون هناك شيء لنتحدث عنه في المستقبل، لن تكون هناك سورية».
«جنيف1» هو الأساس
وحذر جميل من الغالبية العظمى من أبناء الشارع السوري اليوم الذين لم يعودوا قادرين على تحمل الوضع القائم لن يعترفوا قريباً لا بالنظام ولا بالمعارضة وأن قضية الخلافات السياسية بين الجانبين بالنسبة لهذه الغالبية هي في مكانة متأخرة قياساً برغبتهم بالعيش، مشدداً على أن «المعارضة هي معارضة بقدر ما تمثل مطالب الشعب ومصالحه الحقيقية وليس (تلك المصالح) الافتراضية الموجودة في رأسها».
وفي سياق الأزمة وتشكيل أطر جديدة للمعارضة من أجل «تحقيق مصالح الشعب السوري» كما ورد في السؤال، أكد جميل أن «الأساس الصالح» لتحقيق هذه المصالح اليوم «كان ومازال هو بيان «جنيف1» والسير نحو «جنيف3». اليوم هناك تجمعات عدة حصلت، سواء في «موسكو1» و«موسكو2» أو في القاهرة، والائتلاف موجود. يمكن أن يتم تشكيل خليط من هذه القوى ليتشكل الوفد المفاوض في «جنيف3»»، محذراً من أن من «يطالب بتوحيد المعارضة لا يخرج كثيراً عن منطق الحزب القائد الذي عانينا منه عشرات السنين. فالمعارضة تعددية، ويجب أن تبقى تعددية وأن تمثل تعددياً، وكل الحديث عن توحيدها هو ترهات ووهم وقبض للريح».
«يللي بيتو من زجاج..»
وفي إجابات عن أسئلة أخرى تتعلق بالعلاقات مع قوى المعارضة الأخرى، وبكيف يمكن أن يسمى معارضاً من يقبل بالوجود الروسي في سورية، حسبما نقلت المذيعة عن بعض الأصوات داخل الائتلاف، شدد جميل على أن جبهة التغيير والتحرير وحزب الإرادة الشعبية منفتحان على القوى جميعها، سواء على المستوى الشخصي أم على المستوى التنظيمي، أي بين المستويين الرسمي وغير الرسمي بعد، رافضاً في الوقت ذاته أي «كلام سطحي جداً. فنحن في حزب الإرادة الشعبية معارضة قبل أن تبدأ الأزمة السورية بفترة طويلة جداً، لذلك المستجدون على المعارضة ومن بيتهم من زجاج لا يضربوا غيرهم بالحجارة» ومشدداً على أن لا أحداً «يمتلك شهادات حسن سلوك وصكوك يوزعها على اليمين والشمال ليقول من هو معارضة ومن ليس كذلك وأي حديث آخر هو حديث استبدادي».
وفي إجابته عن سؤال أنه «في أحاديث سابقة صنفتم المعارضة وقلتم بأنكم ترفضون الجلوس مع المعارضة التي تقبل بالتدخل الخارجي وإذ بكم اليوم تقبلون بتدخل روسيا في سورية، وعلى أي أساس تبدل الموقف؟»، قال جميل: «التدخل الخارجي الذي كنا ضده هو التدخل على النسق الأمريكي، مثل العراق وليبيا والذي كانت تستدعيه بعض المعارضة التي كفت عنه اليوم فعلياً. لذلك من الممكن أن نتعاطى معها اليوم(..) بينما الدعم العسكري الروسي لسورية يجري في إطار الشرعية الدولية. والروس طالبوا التحالف بأن يجري أخذ قرار في مجلس الأمن لتشكيل تحالف واسع وشرعي، ولكن إلى الآن لم ينجحوا بذلك. وبالمقابل، الدولة السورية، إن أعجبتنا أم لا، والتي هي عضو شرعي في الأمم المتحدة ولديها مقعد، وعلى أساس المواثيق والقوانين الدولية يحق لها أن تطلب من أية دولة مساعدتها عسكرياً وهو ما جرى بالمثال الروسي».
قضيبا السكة: محاربة الإرهاب وإحداث التغيير
وحول ما إذا كانت الغاية الروسية هي ضرب تنظيم الدولة الإسلامية أم مساعدة النظام السوري، أكد جميل على أن «ضرب تنظيم الدولة الإسلامية والقضاء على الإرهاب سيفتح المجال أمام الحل السياسي، أي لتغيير بنيوي عميق للنظام السوري نفسه. فكيف سيكون ذلك من مصلحته؟!»، موضحاً أنه «إن تم استئصال خطر الإرهاب لن يكون هناك أي مبرر لتأجيل التغيير السياسي الجذري في البلاد. فمنطق النظام لليوم كان أن مهمة مكافحة الإرهاب هي المهمة رقم واحد واثنان وثلاثة، ثم نذهب للتغيير. اليوم القضية وضعت على الشكل التالي: مكافحة الإرهاب بشكل موازٍ للتغيير السياسي المطلوب، أي أن الأمرين وضعا على سكة واحدة متوازية وهذان الأمران مترابطان ومتأثران بعضهما ببعض ويجب أن يمشيا خطوة بخطوة وجنباً بجنب. وأعتقد أن هذا هو المنطق السليم لأن قسم من المعارضة كان يريد التغيير ثم التغيير ثم التغيير وموضوع الإرهاب لاحقاً». وأضاف أن «استمرار الإرهاب كان يستفيد منه النظام لتأجيل التغييرات المطلوبة، بينما ستقرب محاربة الإرهاب هذه التغييرات».
وحول ما قيل عن مقتل مدنيين في الغارات الروسية في سورية قال جميل إنه لا يمكن الركون لمصادر غير محايدة، وأن الموضوع جديد يحتاج وقتاً حتى يتم تدقيق المعلومات ونعلم ما الذي يحصل فعلاً. لكن ما يثير استغرابي واستهجاني أن الأمريكيين قصفوا لمدة عام كامل ولم يتكلم أحد عن خسائر جانبية حصلت هنا أو هناك، مشدداً على أنه يقف «ضد القصف الذي يصيب المدنيين بالأذى من أينما جاء. فالمدنيون يجب أن يحيدوا عن الصراع العسكري الجاري في المنطقة».